شوف تشوف

الرأي

سول لمجرب

حسن البصري
يتقاضى اللاعب الدنماركي كريستيان إيريكسن، الذي سقط مغشيا عليه في ملعب كوبنهاغن، شهريا حوالي 750 ألف دولار، بينما يتقاضى الطبيب الذي أنقذه من الموت، حوالي خمسة آلاف دولار شهريا، علما أن إنقاذ اللاعب من الموت تم ضد عامل الزمن، إذ كانت أمامه مساحة زمنية لا تتجاوز عشر دقائق ليعيد للقلب نبضه وسط حالة ذهول وصمت رهيب في المدرجات.
لا أحد كان يعرف اسم الطبيب ومساعديه الذين أنقذوا حياة لاعب كان بين الحياة والموت، ولا أحد كان ينتبه لوجود مسعفين في حالة تأهب قصوى، فكل العيون كانت مسلطة على أقدام اللاعبين. فالجميع يعرف اسم اللاعب وأدق تفاصيل مساره الكروي واسم زوجته ومقياس حذائه ونوع سيارته وبنود عقده، لأن اللاعب هو صانع الفرجة والطبيب النكرة موجود في الملعب من أجل سلامة هذا اللاعب، بهذا المنطق يصبح اللاعب بطلا والطبيب مجرد جزء من إكسسوارات المباراة، وتصبح التسديدة صوب المرمى أكثر أهمية من لمسة تعيد الحياة لقلب إنسان.
في مباريات الكرة يحتل الجهاز الطبي مكانة متدنية في سلم الأولويات، فالنجم المطلق هو اللاعب والمدرب نجم إذا أجاد قراءة خصمه، ثم يدخل الحكم النجومية إذا انفلتت صفارته وغيرت مجرى المباراة، لذا فالنجومية لا تحلق فوق رؤوس الأطباء إلا إذا سقط لاعب مغمى عليه وهرول نحو مسرح الجريمة يحمل حقيبته الصغيرة.
في مباريات كرة القدم لازال الحكام يطردون الأطباء من الملاعب ويشهرون في وجوههم بطاقاتهم الحمراء، يكفي الاطلاع على بلاغات اللجنة التأديبية للجامعة لنقف على حجم القرارات الزجرية التي طالت الأطباء دون استحياء.
الحكم مواطن والطبيب مواطن وحين يتعرض الأول لإصابة يركض خلفه الطبيب ابتغاء إسعاف استعجالي، سواء أكان يحمل رقما أو غير مرقم.
تمنع لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم طرد الأطباء من طرف الحكام، تمنحهم حصانة على امتداد زمن المباراة، لأن صحة وسلامة اللاعبين أهم من نتيجة زائفة، لكن العديد من الحكام لا يترددون في طرد الأطباء والممرضين، معلنين سلطتهم على الجميع، ولتذهب المادة الثانية من قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم أدراج الرياح.
تحذر منظمة الصحة الدولية الحكام من طرد أطباء المنافسات الرياضية، بل وتصر على منح الجانب الطبي حيزا هاما في المنظومة الرياضية، لأن أرواح اللاعبين أهم من إنجازاتهم، كما توصي بتدخل طبيبي الفريقين في الحالات المستعصية، حتى لا يتحول طبيب فريق إلى متفرج متهم بعدم إسداء مساعدة طبية للاعب في وضعية صعبة.
لكن لا وجود لطبيب طوارئ في ملاعبنا، ولا يملك أطباء الفرق المغربية لوازم التدخلات الاستعجالية، ولا وجود لأخصائي أوبئة في الفرق يكفينا طبيب عظام يعيد ترميم الأعطاب، بل إن الطبيب في فرق الهواة لا يملك في تدخلاته سوى قنينة ماء وقطعة ثلج ومرهم صالح لكل الكدمات.
يشكر الحكام، أصالة عن أنفسهم ونيابة عن حكام الشرط، وزارة الصحة التي مكنتهم من فرصة إدارة مباريات الكرة دون حضور جماهيري، على الأقل لن نسمع صيحات الجمهور الخبيثة التي ترافق كل لاعب محمول خارج الملعب.
يتقاضى أطباء الفرق الرياضية في أحسن الأحوال عشرة في المائة من رواتب المدربين واللاعبين، بينما يطلب منهم إنقاذ أرواح أصحاب الرواتب السمينة، يا للمفارقة العجيبة. لذا سنجد مبررا لاستقالة إيهاب علي طبيب الأهلي المصري من منصبه في الجهاز الطبي، حين أيقن أن راتبه يشكل خمسة في المائة من راتب المدرب الأجنبي، بينما يرضى كثير من أطباء أنديتنا بفتات التعويض المالي حبا في الفريق ومنهم من يعتبر هذا الانتماء نوعا من الماركوتينغ لعيادته الخاصة.
نادرا ما يلجأ الطبيب للمحاكم أو لغرفة المنازعات الرياضية لاستخلاص متأخرات مالية معطلة، وغالبا ما يكتفي بالصمت لأنه حكمة ولأن الطبيب كان يسمى حكيما قبل ظهور البنسيلين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى