في فرنسا هناك اليوم قانون تم التصويت عليه يقضي بضرورة حصول تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي على موافقة الوالدين بالنسبة للأطفال ما دون الخامسة عشرة لكي يحصلوا على حساب من هذه الحسابات. خصوصا تطبيق تيك توك الصيني.
أما كندا فقد حظرت “تيك توك”، فيما الولايات المتحدة أمهلت الهيئات الحكومية 30 يوما للتأكد من عدم وجود التطبيق على أجهزتها.
في أوروبا والغرب الأمريكي يتحدثون اليوم عن سن الرشد الرقمي لحماية أبنائهم من الدمار الذي تتسبب فيه التطبيقات التي يدخلون إليها ويقضون فيها ساعات طويلة كل يوم.
عندنا تتعامل الحكومة ومؤسساتها، كمسؤولة عن صناعة السياسات العمومية وتطبيقها، مع موضوع التطبيقات وخصوصا تطبيق تيك توك بحياد، ما يدفعنا إلى التساؤل هل تعي الحكومة فعلا خطورة هذه المحتويات الرقمية التي تروج في هذه التطبيقات على الأطفال وعلى بنية الأسرة المغربية التي هي النواة الصلبة للمجتمع؟
قد يبدو الموضوع تافها ولا يرقى إلى مستوى النقاش العمومي، لكن الحقيقة أن خطورة فيديوهات تيك توك وقنوات روتيني اليومي وروتيني الليلي، والتي تحظى بنسبة مشاهدة عالية، على المجتمع والأسرة والطفولة لا حدود لها. فهي تروج لصورة منحطة عن المرأة والأم وربة البيت وتقدمها كأداة جنسية لإثارة الغرائز تحت ذريعة القيام بأشغال البيت.
وليس هذا فحسب، بل وصل الأمر إلى حد تقديم نموذج جديد وصادم للأسرة لم يعهده المغاربة من قبل وهو نموذج رب البيت الذي يقدم زوجته كأداة للمتعة البصرية والاستيهامات الجنسية للمشاهدين الغرباء مقابل نقراتهم التي تتحول إلى دراهم يضخها يوتيوب في حساب الزوجين كل شهر.
نحن اليوم أمام مس خطير بالسمعة الرقمية للمغرب، فبمجرد ما تدخل وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية تقفز أمامك مواضيع تربط المغرب إما بالعنف أو الاغتصاب أو الجنس.
وأعتقد أنه إذا لم يتم التعامل مع كارثة تيك توك بالمغرب بجدية فسنجد عما قريب أن الكثير من المغاربة والمغربيات سيتعرون فيه مقدمين محتويات مدمرة سيغري كثيرين بالاقتداء بهم نظرًا للعائدات المادية التي سيدرها على أصحابها.
والدمار الأخلاقي والتشوهات التي تسببت فيها وما زالت سنوات من البث الممنهج واليومي للمسلسلات المكسيكية والتركية التي ألحقت أعطابا عميقة بالبنية العميقة للأسرة المغربية، وهو الدمار الذي لم تستفد منه سوى الشركات الوسيطة في اقتناء هذه المسلسلات وشركات الإشهار التلفزيوني، ستكمله هذه التطبيقات التي تتكاثر مثل الفطر والتي تنشر الغباء والكبت والتخلف والعنف الرمزي والمادي المرتبط بكل هذه الأمراض.
تطبيق تيك توك الذي أشعل كل هذه المصابيح المنبهة في أمريكا وأوروبا، ليس فقط بسبب محاصرة الصين ولكن لأنه فعلا تطبيق مدمر، لمن لا يعرفه فهو عبارة عن منصة أو محطة اجتماعية يقوم فيها الأشخاص بتصوير أنفسهم بفيديو قصير ويضيفون إليه عددا من المؤثرات الموسيقية مأخوذة من أفلام عربية وأجنبية من رقص، وغناء، وموضة وأزياء وغيرها من المواد المتوفرة عبر الأنترنت، بالإضافة إلى مجموعة من المُلصقات التي تضاف إلى الوجه حيث تحتوي على أكثر من 100 ملصق .
ومع انتشار الوباء وفرض الحجر الصحي الذي سجن الملايين داخل منازلهم انتشر تطبيق تيك توك مثل النار في الهشيم وأصبح من بين أبرز التطبيقات استخدامًا.
عندما تدخل تطبيق تيك توك في المغرب تكتشف مفاجآت مرعبة فعلا. أعتقد أن تيك توك المغربي هو التيرموميتر الحقيقي للمجتمع العميق، فيه يمكن أن تعثر على نتوءات وتشوهات الشخصية المغربية.
تيك توك المغربي شبيه ببرنامج تلفزيون الواقع سوى أن هذا البرنامج يصور في الأستوديو فيما عندنا فالبلد هو الأستوديو وأفراد الشعب هم أبطال البرنامج.
لذلك فقد حان الوقت لوضع قوانين وتشريعات لمواجهة هذا الغزو الرقمي الذي يهدد أبناء المغاربة ويفتت النواة الصلبة للمجتمع من الداخل.
كما حان الوقت لإدراج مادة “التربية الرقمية” في أقسام التعليم الأساسي لمواكبة الأطفال منذ سنوات تمدرسهم الأولى وتسليحهم بالأدوات الضرورية لمعرفة فخاخ وشراك هذا العالم الرقمي الذي ولدوا فيه حتى يتجنبوا الوقوع فيها.
يقولون إنه لا يمكن وقف التطور، هذا صحيح، لكن يمكن وقف الجهل والغباء، ولا سبيل إلى ذلك سوى بالتربية والتعليم من جهة، ووضع التشريعات والقوانين لحماية النشء من جهة أخرى.