سكارى وما هم
من الشعارات الرنانة التي يرفعها الوزير بوصندالة مصطفى الخلفي، واحد يقول إنه يريد أن يمنع إشهار القمار والخمور من الصحافة، في قانونه الجديد.
سعادة الوزير الذي يستقوي على الصحافة التي تغطس صفحاتها في النبيذ والويسكي والجعة وتقتات على إعلانات الكينو واللوطو، ينسى أن عائدات القمار والخمور الضريبية هي جزء من الأموال العمومية التي تدخل خزينة الحكومة والتي يدعم بها الخلفي الصحافة، ومنها صحافة حزبه، وهي أيضا الأموال التي يقتطع له منها الخازن العام للمملكة راتبه ورواتب زملائه الوزراء.
أموال القمار والخمور حرام على الصحافة لكن عائداتها حلال على خزينة الحكومة التي تسد بها ثقوب الميزانية، في ظل عجزها المزمن الذي تعرفه منذ تولي الحكومة الحالية تدبير الشأن العام، وأيضا في ظل انخفاض معدل النمو إلى 3 في المائة خلال السنة المقبلة، عوض 5.5 في المائة كما وعد بنكيران في برنامجه الحكومي، و7 في المائة كما وعد حزب العدالة والتنمية في برنامجه الانتخابي للانتخابات البرلمانية لسنة 2011، والتي احتل فيها الصدارة وأوصلته إلى قيادة الحكومة الحالية.
في البدء لم تكن فصول النسخة الأولى لمشروع القانون المتعلق بالصحافة والنشر منع إشهار الخمور على صفحات الجرائد، ما أثار غضب واحتجاج نواب حزب العدالة والتنمية، الذين اتهموا الخلفي بمعاكسة مطالب الفريق البرلماني لحزبه، والرضوخ لضغوط لوبيات إنتاج وبيع الخمور بالمغرب، خاصة أن الفريق هدد بخوض معركة ضد الخلفي، وتقدم بمقترح قانون يقضي بمنع إشهار المشروبات الكحولية، وهو مشروع القانون الذي رفض التجاوب مع مقترح قانون تقدم به فريق حزب العدالة والتنمية قبل أزيد من ثلاث سنوات، يقضي بمنع الإشهار المباشر أو غير المباشر لكل أنواع المشروبات الكحولية، أيا كانت الوسيلة المستعملة والجمهور المستهدف، والذي ما زال مجمدا داخل البرلمان دون الشروع في مناقشته ودراسته.
لكن الوزير القافز الخلفي، ومع اقتراب موعد الاستحقاقات المقبلة، بدأ يقوم بتسخينات انتخابية لحزبه، ونسي أن ابن محمد يتيم، القيادي بحزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية، شارك هذه السنة للمرة الثانية في مسابقة «البوكر» التي تنظم بأحد أكبر كازينوهات القمار بمدينة مراكش، لكنه خسر أمواله هذه السنة، بعدما كان قد ربح 50 مليون سنتيم في السنة الماضية، وخرج الأب يتيم للدفاع عن «البوكر» واعتبره لعبة ذهنية تساهم في تنشيط العقل.
ولكي تعرفوا أن ما أفصح عنه وزير الاتصال ليس سوى نفاق فاضح، فعليكم أن تعلموا أن الحكومة التي يقودها عبد الإله بنكيران، الذي يدعي أنه يشتغل مع الله، تستعد لمنح عشرة تراخيص لمحلات تجارية لبيع المشروبات الروحية، كما ينتظر أن تتم المصادقة من طرف الحكومة على منح 12 اعتمادا خاصا بمخازن الخمر.
أما في سنة 2015 التي نودع فقد منحت الحكومة موافقتها على 155 ترخيصا باستيراد بعض أنواع الخمور، كما منحت الحكومة ترخيصين لممارسة الاتجار بنصف الجملة في الخمور وترخيصين للاتجار في المشروبات الروحية.
وحسب مشروع قانون المالية لسنة 2016، تتوقع الحكومة مداخيل مهمة من ألعاب القمار وبيع التبغ والخمور، حيث ستبلغ مداخيل الرسم المفروض على التبغ المصنع 905 مليارات سنتيم مقابل 867 مليار سنتيم، أي بزيادة قدرها 4.31 في المائة، ولتذهب حملات التوعية بمخاطر التدخين إلى الجحيم.
أما مداخيل الرسم المفروض على كل أنواع الجعة، فإنها ستصل 76 مليون سنتيم، وسيصل الرسم المفروض على الخمور، «الروج» والكحول الأخرى «الويسكي» و«الفودكا»، مبلغ 54 مليون سنتيم، في حين لن تتجاوز مداخيل الرسوم المفروضة على المشروبات الغازية الأخرى «الحلال» مبلغ 29 مليون سنتيم.
أما بالنسبة لمداخيل القمار، التي يفتخر الخلفي بأنه منع إعلاناتها في قنوات الإعلام العمومي، فيتضمن قانون المالية حسابا خاصا بنتاج اليانصيب ستجني الحكومة من مداخيله 10 ملايير سنتيم، وحسابا آخر يحمل اسم «حساب خاص بالاقتطاعات من ألعاب الرهان المتبادل»، ستصل مداخيله 9 ملايير سنتيم.
وخلال السنة الماضية، سجلت تقارير وزارة المالية تراجعا كبيرا في حجم المداخيل الضريبية والموارد المالية، وفي محاولة لسد عجز الميزانية، اعتمدت الحكومة على ارتفاع المداخيل التي تجنيها من أرباح بيع الخمور والسجائر، لسد ثقوب الميزانية، بحيث أكدت الإحصائيات والتوقعات المتضمنة في قانون المالية لسنة 2015، ارتفاع مداخيل الضريبة على الخمور والتبغ بمختلف أنواعها، بحيث وصلت المداخيل المترتبة عن الرسوم المفروضة على الخمور والكحول 54 مليار سنتيم، والمداخيل المترتبة عن الرسوم المفروضة على أنواع «البيرة» ما مجموعه 79 مليار سنتيم، مقابل 76 مليار سنتيم سنة 2013، أي بزيادة قدرها 3,26 في المائة، فيما بلغت مداخيل الرسم المترتب عن التبغ المصنع أزيد من 867 مليار سنتيم. وبذلك حصلت الحكومة على حوالي 999 مليار سنتيم من مداخيل بيع السجائر والخمور بشتى أنواعها، وسجلت الرسوم الداخلية على الاستهلاك تزايدا بنسبة 5.2 في المائة لتصل إلى 24.6 مليار درهم، بلغت منها حصيلة الضرائب على التبغ والمواد البديلة للتبغ المصنعة 9 ملايير درهم، مقابل 8 ملايير درهم خلال سنة 2014، أي بزيادة قدرها 4.31 في المائة.
وكانت اجتماعات لجنة المالية بمجلسي البرلمان، قد شهدت جدلا كبيرا، أثناء مناقشة قانون المالية، بسبب رفض الحكومة لتعديلات تقدمت بها المعارضة لرفع الضريبة على الخمور «الفاخرة»، وفي قانون المالية للسنة المقبلة، قدمت حكومة بنكيران هدية أخرى إلى شركات صناعة «البيرة»، من خلال تنصيص القانون على تخفيض معدل الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على استيراد الشعير الموجه لصناعة الخمور من 20 إلى 10 في المائة، مقابل رفع قيمة نفس الضريبة على مادة الشعير الموجه إلى الاستهلاك.
ونسي بنكيران أن استهلاك «أم الخبائث» الذي تجني منه الحكومة مداخيل مهمة لخزينة الدولة، يتسبب في أكثر من 30 في المائة من حوادث السير المسجلة بالمغرب، ورغم ذلك تواصل الحكومة الحالية الترخيص لفتح حانات جديدة ولمتاجر بيع الخمور، بعضها فتح أبوابه تحت العمارات السكنية وداخل الأحياء الشعبية.
أما وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، فقد كشف عن تساهل كبير مع «السكايرية» في مسودة القانون الجنائي التي تقترحها وزارته، وقال الرميد في ندوة عقدها حزب التقدم والاشتراكية حول القانون الجنائي، لقد «غيرنا المادة المتعلقة بالسكر العلني، وتسامحنا مع إخواننا وأخواتنا المدمنين على شرب الخمر». وينص القانون الجديد على عدم تجريم السكر في القانون الجديد، وتم تعويضه بتجريم السكر المقرون بإلحاق ضرر للمجتمع، حيث تنص المادة 1 من الفصل 286 المقترحة في مسودة القانون الجنائي، على معاقبة كل شخص ضبط في حالة سكر علني بين، في الأزقة أو الطرق أو في أماكن أخرى عمومية، وتسبب في إحداث الضوضاء أو الفوضى أو مضايقة العموم.
كما نسي بنكيران المخاطر التي يشكلها التدخين على صحة المواطنين، إذ إن المدخنين يستهلكون سنويا ما يفوق مليار سيجارة، كما يهدد التدخين في الأماكن العمومية 60 في المائة من المغاربة، أما على مستوى الأضرار الصحية، فإن التدخين وراء 90 في المائة من حالات الإصابة بالسرطان و42 في المائة من أمراض الجهاز التنفسي و15 في المائة من أمراض القلب والشرايين.
وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه المغاربة من حكومة بنكيران النهوض بالوضعية المتردية للتعليم، عبر وضعه ضمن الأولويات الحكومية، وتخصيص ميزانية محترمة لتمويل المشاريع التعليمية، صدم الرأي العام الوطني بإقدام الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، على تفويت تنمية التعليم إلى مراكز القمار، من خلال تخصيص جزء من مداخيل الشركة المكلفة بالإشراف على «اليانصيب الوطني» لتنمية قطاع التعليم، وقامت شركة القمار بحملة دعائية لذلك، عبر ملصقات ولوحات إشهارية بشوارع المدن ومحطات القطار، وكانت هذه الملصقات الإشهارية مرفوقة بشعار «اليانصيب الوطني… متضامنون من أجل تنمية التعليم»، وبصورة لأستاذة داخل قسم دراسي رفقة التلاميذ، وهم يرتدون جميعا أوراق القمار، وخلفت موجة من الاستنكار في صفوف المواطنين الذين عاينوا هذه اللوحات الإشهارية، والتي اعتبروها إعلانا عن عجز الحكومة عن توفير المداخيل المالية لتمويل قطاع التعليم، ولجأت إلى مداخيل القمار.
إنهم يتقاضون رواتبهم من عائدات أموال الخمر والقمار، ويريدون إقناع الشعب بأنهم يحاربون القمار والخمور.
وهذا النفاق الصريح نجد حكمه في كتاب الله عندما قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تفعلون».
وهو النفاق ذاته الذي لخصه المغاربة من زمان في حكمة تقول «الذيب حرام ومرقتو حلال».