شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

سقوط المملكة الأسدية وفلسفة الثورة

 

 

بقلم: خالص جلبي

 

هذه المرة لم يتطلب إسقاط المملكة الأسدية أكثر من 11 يوما، وليس 11 عاما، فما السر في ذلك؟

أتذكر أنني في عام 2011م حلمت في منام وكأنني على شُرف عظيم تمتد أمام بصري غابة عظيمة، وفجأة اكتنفها لهب عظيم فاحترقت؛ وما زالت النيران تمتد من شمالي إلى يميني، حتى خمدت وتوقفت أقصى اليمين عندي.

هذا ما حصل في ربيع عام 2011 حينما أزهر الربيع، ليتحول إلى أوحال وشتاء. وكان ذلك في المملكة الأسدية المتوحشة، كما كتب «ميشيل سورا» كتابه فختمه بدمه، فقتله حزب الله فعثر على جثته في بيروت.

النظام الأسدي في سوريا دشن تحولا جديدا في الكائنات «الهبريد» (مزيج من كائنين)، وهكذا ولدت الملكيات من رحم الجمهوريات= الجملوكيات. في أنظمة استبدادية بشعة، ولكنها تنتهي بأبشع، كما حصل مع فرار طاغية دمشق البراميلي في 8 دجنبر 2024، وولد الربيع العربي من جديد. وهو زلزال في الأرض العربية لن يبقى بدون ارتدادات.

في أول الربيع العربي وجهت أنا رسالة إلى طاغية دمشق البراميلي بعنوان: اقرع التاريخ وكن مثل الملك «آشوكا». الأخير كان ملكا جبارا، بل خصص سجنا لا يخرج منه أحد عرف باسم جحيم آشوكا، ولكن لقاءه مع راهب بوذي بدّله، فتحول من شيطان إلى ملاك. أنا شخصيا أدشن خطب الجمع بشكل نخبوي في مونتريال، بعد أن نفضت يدي من خطب الجمع التي تشخر في السرير المملوكي، منذ أيام المملوك جقمق وخوش قدم. والخطبة 62 كانت حول البوذية وآشوكا، الذي أصبح مثالا في التاريخ للعدالة والرحمة. لقد بلغ به الأمر أن خصص مشافي لعلاج الحيوانات، فضلا عن بني البشر.

آية في القرآن لمعت أمامي وأنا أتأمل نهاية البراميلي (طاغية دمشق هكذا سوف أسميه) من سورة «الحشر»، حين يتحدث القرآن كيف يدمر الإنسان نفسه = يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار. سقط النظام الأسدي مثل جرف هار فانهار به في نار جهنم التاريخ ملعونا غير مأسوف عليه.

كنت أكرر لمن حولي جملتين، الأولى في وصف الوضع السوري، وأنا السوري الذي غادر البعث إلى يوم البعث، أو هكذا ظننت، لولا أن البعث بعث إلى يوم الدينونة التاريخية فسقط.

والثانية في التحدي التاريخي. النظام الأسدي (كما ترون اسم حيوان) ميت في المشرحة، بحراسة ضابط روسي، وممرضة إيرانية، وحارس أمريكي، ومراقب تركي، فبئس ما صار وحصل. هو جثة تنتظر الدفن وبسرعة (على السنة)، قبل أن تفوح الرائحة. وهو المصير الذي حصل مع اختتام العام 2024م.

الثاني أنقله من صالون فرعون ومجلس موسى. الأول تحرضه العصابة حوله (بتعبير القرآن = الملأ) أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض (غريب أليس كذلك؟ موسى مفسد وفرعون سيد المصلحين) وليذرك وآلهتك؟ ماذا كان الجواب؟ قال: سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون. هذا هو الطغيان والذي مثله خير تمثيل، جبار سوريا الوحش وأبوه. أما الأب فقتل في مجزرة أربعين ألفا من مدينة حماة، وتابع ابن الوحش السيرة والمنهج، فقتل عشرين ضعفا مما قتل أباه. ورفع سقف القتل، ما جعل (النتن) يقلده في الفتك بأهل غزة.

ماذا يعلق ويجيب موسى على المذبحة: أمر من حوله بالصبر، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. المتقون هم الواعون المنضبطون مع قوانين التاريخ من مزيج العدل والرحمة. من الجميل أن العبارة نفسها استخدمها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم مع الكذاب مسيلمة، حين زعم الأخير أن الأرض نصفان، له النصف ولقريش النصف. فكان جواب نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، كما جاء في تعليق موسى على استكبار فرعون والتهديد.

وبماذا أجاب قوم موسى نبيهم موسى؟ قالوا: ذقنا قبل أن تأتي العذاب ومع مجيئك لم يتبدل شيء. قالوا: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا، لم تتحسن الأمور قيد أنملة. هنا يضع موسى شرحا بسيطا وثقيلا في التغيير الاجتماعي، أنه ليس المهم التغيير إن رسا على شاطئ المجهول، بل العبرة بالتنقل إلى وضع أفضل. قال موسى: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون؟

ما حدث في سوريا هو ما أراه هنا في خريف كندا من تساقط ورق القيقب، هذه الأوراق في الربيع تخضّر بشدة، وتمسك بالغصن بقوة، مهما كانت قوة الريح. أما في الخريف وبدون ريح، تتساقط لضعف الارتباط بالغصن.

الشيء نفسه حصل مع الخريف السوري، فسقط الطاغية في أيام معدودات. فقد انتهى أجل النظام كما في الخريف الكندي. ومن اللافت للنظر هو احمرار الورق وبهجته، ولكن الناس تعرف أنها الأنفاس الأخيرة قبل السقوط. الشيء نفسه حصل مع النظام الأسدي من الانتفاخ والتكبر، فكان لسقوطه وقع مدوي.

اطلعت على بحث يدرس زمن وجدوى الثورات، ليقول إن الثورات السلمية تستمر عامين ونيف بنتائح مباركة؛ خلاف العنفية الدموية التي تسحب عشر سنوات مع نتائج كارثية، بسبب اعتياد القتل مذهبا وطريقة في حل الصراعات.

التحدي الأكبر الآن أمام الثورة السورية هو: بناء مجتمع ديموقراطي تشاركي، يعتمد صيانة الدولة وحفظ النظام والمؤسسات، بروح مزدوجة من العدل والرحمة، ودفن أحقاد الماضي والثارات. وأن لا يستبدلوا فرعونا بفرعون.

 

نافذة:

سقط النظام الأسدي مثل جرف هار فانهار به في نار جهنم التاريخ ملعونا غير مأسوف عليه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى