سفير بدون أوراق اعتماد
بعيدا عن جدل أنبوب الغاز الطبيعي، يعيش المدربون الجزائريون في المغرب حياتهم الطبيعية، يصرون على ممارسة مهامهم في الملاعب في منأى عن الزوابع القادمة من الشرق.
يدرس أبناؤهم في مدارسنا يتحملون مضاعفات مهنة آبائهم التي ترفض الاستقرار وتعشق التجوال، يقبلون على الحياة دون أن ينتابهم شعور الغربة، يجدون متعة في الحديث بلهجة مغربية محشوة بلكنة شرقية حتى تخالهم من أبناء أنكاد. وحين يحين موعد الانتخابات يهرعون إلى قنصليات بلدهم للإدلاء بأصواتهم في أمن وأمان.
تعاقدت الفرق المغربية، عبر تاريخها، مع عدد من المدربين الجزائريين، تقاسموا مع جماهيرها الأفراح والأحزان، الانتصارات والهزائم، ساهموا في عبورهم بما تيسر من جهد وعرق في كتابة سطور تاريخ إلى جانب مسيرين ولاعبين ومناصرين.
تعاقد المدرب الجزائري محيي الدين خالف مع المولودية الوجدية، ومع مرور السنوات تنقل بين الفرق حاملا عصاه السحرية، وحين غادر المغرب اكتشف أن المغرب لم يغادره فقرر الاستقرار فيه واستخلاص شهادة الحياة من مقاطعاته.
قصة عبد الله «الدزايري» تستحق أن تروى لتبديد غيمة سوء الفهم الجاثمة فوق رؤوس مزارعي حقول الفتن، عاش مدربا بين عدد من الفرق المغربية حتى نسي المغاربة اسمه المدون في الوثائق الرسمية، وعرفوه بلقبه «السطاتي» نظرا لارتباطه الطويل بفريق النهضة السطاتية، حتى أصبح جزءا من ذاكرة سيدي لغليمي، رغم أن عبد الله السطاتي من أصول جزائرية ولعب لسنوات طويلة ضمن منتخب جيش التحرير الوطني الجزائري لكرة القدم. مات الرجل في الدار البيضاء ودفن في جوف تربتها وعلى شاهد قبره كتبت عبارة «هنا يرقد مدرب مغربي».
يضيق المجال لسرد أسماء عشرات المؤطرين الذين أشرفوا على تدريب فرقنا، لكن، للأمانة التاريخية، فقد كانت المولودية الوجدية الأكثر استقطابا لمدربين قادمين من الجارة الشرقية، وهم يحلمون بالصعود فوق «عمارية» الانتصارات.
أشرف على تدريب المولودية عشرات المدربين الجزائريين، بدءا بعبد الله السطاتي وانتهاء بنبيل نغيز الذي لازال ينشر دعوته في القلعة الشرقية، مرورا بمحيي الدين خالف ومزيان إيغيل وأحمد سليماني ومصطفى بيسكري وعز الدين أيت جودي وعبد الكريم بن ياليس وعبد الله الصنور وعبد الحق بن شيخة، الذي يحمل لقب «الجنرال» مناصفة مع فاخر، وأسماء أخرى كانت المولودية بالنسبة لها مجرد محطة عبور.
هناك أطر تقنية أخرى حطت الرحال في الرجاء ونهضة بركان وشباب المحمدية واتحاد طنجة كرابح سعدان وميلود حمدي وعلي الفرقاني، وأخرى لازالت جدرانها على مواقع التواصل الاجتماعي شاهدة على زمن العبور.
ذات يوم وصف عبد العزيز بوتفليقة المدربين الجزائريين المنتشرين في أرض الله الواسعة بـ«سفراء الروح الرياضية»، وحين جلس خليفته تبون على كرسي الرئاسة، صعدت الروح إلى بارئها وبقيت الرياضة معلقة في تلابيب السياسة بين الحياة والموت.
سفراء الكرة ليسوا في حاجة لأوراق اعتماد أو تزكية من النظام ولا يحاسبون على شعائرهم الوطنية، ولا يتلقون دعوات للتشاور، إنهم سفراء من طينة أخرى لا تسري عليهم التقاليد الديبلوماسية، الفوز في ملاعب الكرة يحملهم على الأكتاف والهزيمة تضعهم في فوهة بركان.
ليس النجاح حليف كل المدربين الجزائريين في فرقنا، فبعضهم عانوا من سوء الطالع والبعض حققوا أكبر إنجاز بتمديد مقام فرقهم في قسم الأضواء، وفئة منهم أتقنت اللعبة واحتملت حماقة المسيرين عشرة أعوام.
بنفس القدر يفتخر الراسخون في علم الكرة الجزائرية بفضل مدربين مغاربة أشبه برسل «كرة ومحبة»، حملوا بضاعة النصر وعليها عبارة «صنع في المغرب»، اسألوا الجزائريين عن العربي بن مبارك ويوسف لمريني وبادو الزاكي ورشيد الطاوسي وأسماء أخرى اختارت الاشتغال في بطولة المظاليم.
في إفريقيا تغير الفرق مدربيها بنفس السرعة التي يغير فيها العساكر حكامهم، وفي الحالتين تظل النتائج دون مستوى تطلعات الشعوب.