سعادة العمدة وملايين «ريضال» (2/2)
وطبعا فالمنتخبون المنتمون للأصالة والمعاصرة، الذين طرحوا ملف العمدة في المجلس، أو بعضهم على الأقل، لم يفعلوا ذلك دفاعا عن المواطنين، وإنما دفاعا عن الامتيازات التي حرمهم العمدة منها.
ولذلك فمنتخبو العدالة والتنمية سارعوا إلى إجراء الاتصالات، كل بحسب معارفه ومقربيه، من المستشارين، الذين يطالبون بفتح تحقيق في الملف، ووعدوهم بتحقيق كل مطالبهم في المقاطعات التي انتخبوا فيها، بشرط أن يتم طَي ملف الصديقي و«ريضال» نهائياً.
فقد وعدوهم بأن يضعوا رهن إشارتهم سيارات وهواتف نقالة، فضلاً عن منحهم التفويضات التي سحبها رؤساؤهم منهم، والتي تدر على بعضهم مدخولاً مربحاً، خصوصاً يومي السبت والأحد.
وبالرجوع إلى لائحة الموظفين الذين استفادوا من تعويضات «ريضال» على المغادرة، نكتشف أن سبب مغادرة كل الموظفين الذين غادروا الشركة، ومن بينهم الصديقي، هو عجز صحي، إما جسدي أو عقلي، فيما وثيقة أخرى عبارة عن رسم بياني، مستخرج من نظام معلوماتي، تعتمده الشركة، تبرز توزيعاً رقمياً بعدد الموظفين، الذين غادروا «ريضال» بسبب عجز صحي، يتبين من خلاله أنه لم يسبق للشركة أن غادرها هذا العدد بأكمله، في ظرف سنتين اثنتين. فمنذ سنة 1999 إلى سنة 2011، غادر «ريضال» 62 موظفاً بسبب العجز ذاته، بناءً على ملفات طبية مدروسة من قبل لجنة مختلطة مختصة، أي بمعدل خمسة موظفين في السنة، في حين أنه في سنة 2013 غادرها 18 موظفاً، أما سنة 2012، فقد حطمت الرقم القياسي في ذلك، فقد غادرها بسبب عجز صحي، إما جسدي أو عقلي، 72 شخصا، يوجد ضمنهم العمدة الصديقي، الذي يحمل رقم 51208 في الصندوق الجماعي للتقاعد المعروف بـ«CCR»، ثم انتقل بعد ذلك، إلى مباشرة مهامه في مجلس مدينة الرباط، بعد انتخابه عمدة للعاصمة، من أجل تدبير شؤون أزيد من 500 ألف من مجموع سكانها، وتدبير وحوالي 92 مليار سنتيم، قيمة ميزانيتها، على الرغم من إصابته بعجز صحي، يبرزه الملف الطبي الذي تقدم به لمديرية الموارد البشرية للشركة.
وبالعودة إلى أرشيف شركة «ريضال»، سنجدها قد حولت موظفيها من نظام الصندوق الجماعي للتقاعد، وطبقت عليهم النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، الذي ضخت فيه مليارا و45 مليون درهم، وتم ذلك بالضبط في فاتح يناير 2014. وحتى تتفادى ضخ موارد مالية ضخمة في الصندوق الجديد الذي يدعى «RCAR»، قررت باتفاق مع الموظفين الذين غادروها بين سنتي 2012 و2013، أن يغادروا العمل «حسي مسي»، ويستفيدوا من تعويضات، بعدما دبروا ملفات طبية تثبت عجزهم، تختلف بحسب مكانة كل موظف ومرتبته ومدى حاجة «ريضال» إلى كل واحد فيهم، وهي تعويضات وصلت ملايين السنتيمات، إذ منهم من تسلم مبالغ سمينة تقدر بـ100 و120 مليون سنتيم.
وفي حقيقة الأمر، موضوع عجز الصديقي واستفادته من تعويض سخي، يعرفه كل أطر «ريضال»، ما جعل مدير لجنة متابعة التسيير المفوض في شركة «ريضال»، يسارع إلى إعداد مراسلة حول وضعية الموظفين النشيطين في الشركة، مكونة من خمس صفحات، تتضمن تقريراً مفصلاً عن عملية تحويلهم من نظام تقاعد إلى آخر، يتحدث عن التفاصيل الدقيقة المتعلقة بهذه «الصفقة»، وتحتوي على لائحة الموظفين الـ90 الذين غادروا بسبب «العجز»، وهي المراسلة التي من المفترض أن يوقعها العمدة الصديقي، بصفته رئيس المجلس الإداري لشركة «ريضال»، وهي الصفة التي يتقلدها كل عمدة جديد لمدينة الرباط، ويوجهها إلى المدير العام للشركة ذاتها، لإحاطته علماً بما يجري داخل «ريضال».
المصيبة أن المراسلة تتضمن اسمه، ومعلومات حول عملية المغادرة بسبب العجز، لذلك فقد كان رد فعله مفاجئاً.
وبمجرد ما وُضعت المراسلة بين يدي العمدة الصديقي من أجل أن يطلع عليها ويوقعها حتى تصل إلى المرسَل إليه، وجد نفسه في ورطة حقيقية، إذ سيوقع مراسلة تضم معلومات تخصه وتضعه محط شبهة.
وخشية أن يفتضح أمره، رفض ذلك، وبدأ يفكر في حل للتخلص من المستشار الذي عرف فضيحته في «ريضال»، فتفتقت عبقريته عن حل حتى يطمس معالم ماضيه في مقر عمله السابق، ما جعله يقْدم على تدبيج مقرر لتعيين أحد أصدقائه، الذي غادر هو الآخر «ريضال» بسبب عجز صحي، مكان المستشار.
وكل الذين يعرفون الصديقي استغربوا كيف خرج منه كل هذا «العجب»، فعلاقته مع النقابات والإدارة معاً كانت سمناً على عسل، إذ كان يغادر بيته، حيث كان يسكن مع خالته في مدينة سلا صباحاً ويعود إليه في المساء، إلى أن منحته إدارة «ريضال» بيتاً في سكنها الوظيفي الواقع في شارع ابن سينا في حي أكدال، بمحاذاة المدرسة المحمدية للمهندسين، والذي ما زال يحتله لحد الآن، على الرغم من مغادرته «ريضال».
ولعل قرار الصديقي إعفاء الكاتب العام لبلدية الرباط، كشف جانباً خفياً من شخصية العمدة لم يكن معروفاً لدى المقربين منه، خصوصاً زملاءه السابقين في شركة «ريضال»، الذين «عاشرهم» لحوالي 28 سنة، فقد كانوا يعتبرونه مجرد مهندس «درويش»، وهو الانطباع نفسه الذي لم يكد يتركه لدى موظفي البلدية وأطرها، حتى كشر عن أنيابه وفاجأهم، بعد أربعة أشهر فقط من انتخابه، بتنحيته الكاتب العام دون أن يذكر له سبباً مقنعاً لذلك، عدا عبارة «من أجل ضخ دماء جديدة» التي جعلها لازمة مازال يكررها إلى الآن، واضعاً مكانه رئيس قسم الشؤون الاقتصادية المعروف بـ«وقيدة» كاتباً عاماً بالنيابة.
فقرار إعفاء الكاتب العام ومن معه، كشف المخطط الذي يعمل الصديقي على تنفيذه بعناية فائقة، سيراً على خطى أخيه عبد الإله بنكيران، من خلال «تبليص» مقربين منه، ووضعهم في الأمكنة التي يجعلها «شاغرة»، فقد سارع إلى استقدام نائب لرئيس بلدية تمارة، وهو بالمناسبة، موظف في مقاطعة أكدال التي يرأسها رضى بنخلدون، أخ سمية بنخلدون، ونقابي ينتمي هو الآخر إلى حزب العدالة والتنمية، إذ كلفه، وفق مذكرة وقعها بنفسه، بتدبير شؤون ضرائب السيارات ومرائبها وبنزينها، وقد يبقى في تلك المهمة طيلة هذه الولاية، بينما كلف، من خلال مذكرة صادرة عنه، اليمني «وقيدة» الذي لا يمنع القانون، أن يبقى في تلك المهمة مادام الصديقي هو الذي اقترحه، ويسايره على هواه، في انتظار ما سيقترحه عليه حزبه الذي دفع به إلى رئاسة مجلس الرباط، من أسماء من أجل «تبليصها» في الأخرى من المناصب التي سينحي فيها أصحابها عبر إعفائهم، بسبب أو بدون سبب.