فقد أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين صفتهم القانونية التي يحددها القانون المنظم للمجلس وذلك منذ 2019. ورغم مرور ثلاث سنوات على هذه الوضعية المبهمة، واصل المجلس إصدار العديد من الوثائق التي تقع ضمن صلاحياته، ومنها وثيقة تتعلق بالبحث العلمي وأخرى تتعلق بتقويم «بيزا» ووثيقة ثالثة تتعلق برأي قدمه المجلس حول التعليم العالي. هذه الوضعية خلفت نقاشا واسعا اتخذ أبعادا قانونية، خصوصا وأن بعض القرارات التي اتخذها وزير التعليم العالي تستند بشكل صريح لآراء المجلس، كما اتخذ أبعادا تربوية تهم مستقبل هذه المؤسسة الدستورية التي أغنت، منذ 2015، المكتبات المعنية بالتربية والتكوين بدراسات وأبحاث وآراء وتقويمات في غاية الأهمية، سمحت لمتخذي القرار التعليمي باعتماد قاعدة بيانات ذات مصداقية في جملة التدابير التي اتخذوها.
لماذا الجمود؟
رغم انتهاء مدة عمل المجلس الأعلى للتربية والتكوين، إلا أن هاته الهيئة لا تزال تشتغل وتبدي رأيها في قضايا مجتمعية خارج الآجال القانونية التي حددتها المادة 9 من القانون المحدث لهاته المؤسسة الدستورية. فبالرجوع إلى القانون رقم 105.12 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وبالضبط إلى مادته التاسعة، نجده ينص على أن «تحدد مدة ولاية أعضاء المجلس الآخرين في خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة»، مستثنيا بذلك بعض الفئات المشكلة للمجلس.
وبالنظر إلى أن المجلس الحالي انتهت ولايته بحلول السنة الحالية، فإن معظم القرارات الصادرة عن هاته الهيئة، بما في ذلك الآراء الاستشارية، تعد باطلة على اعتبار أن إقرارها تم خارج الولاية المحددة لأعضاء المجلس، مما يجعلنا نطرح سؤال: كيف مارس المجلس الأعلى للتربية والتكوين اختصاصات غير مخولة له قانونيا؟
توقفت أشغال المجلس منذ آخر دورة لجمعيته العامة نظمت يوم 10 يوليوز 2019، وهي الدورة رقم 17 التي شهدت تقديم آخر رأي رسمي للمجلس، وهو الرأي المتعلق بمهن التربية والتدريس والتكوين والبحث، والذي يحمل رقم خمسة، ضمن حصيلة الآراء التي أدلى بها المجلس في ولايته الممتدة من 2014 إلى 2019.
فحسب بعض أعضاء المجلس، فقد توقفت أشغال المجلس ولم يجتمع مكتبه ولا جمعيته العامة ولا اشتغلت لجانه الدائمة منذ أكثر من عامين، في انتظار تجديد العضوية أو تعيين أعضاء جدد بعد انتهاء الولاية الأولى للمجلس في صيغته الجديدة المفعلة للمادة 168 من دستور 2011.
وبخصوص مسطرة إبداء الرأي يحددها القانون المنظم للمجلس، بحيث تنص المادة 15 على أن مكتب المجلس ينظر في طلبات إبداء الرأي المعروضة على المجلس، ويحيلها، قصد الدراسة والبحث، إلى اللجان المختصة أو إلى مجموعات العمل الخاصة، أو إلى الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، كل حسب اختصاصه.
كما تنص المادة 12 على أن الجمعية العامة تتداول في كل القضايا المعروضة على المجلس من قبل الملك، أو المحالة إليه من طرف الحكومة أو البرلمان، وتقوم، طبقا للمادة 21 من القانون نفسه، بالمصادقة على القضايا المعروضة عليها بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين.
أي دور في المستقبل؟
الحديث عن الوضع المبهم للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وإن جاء بمناسبة الحديث عن الوضع القانوني للرأي الصادر عنه بخصوص التعليم العالي، فإنه يطرح أسئلة هامة بخصوص مستقبله، سيما وأن تفاعل المجلس مع تطورات تنزيل الرؤية الاستراتيجية مكن قطاعات التربية والتكوين من قاعدة بيانات قوية، إن على مستوى المعطيات والإحصاءات وإن على مستوى التحليلات والتوصيات، خصوصا وأن اللجان التي يتم تكليفها بصياغة الوثائق التي يصدرها المجلس تتكون من خبراء متمرسين أكاديميا وميدانيا، كما تحظى الوثائق التي يصدرها بمتابعة إعلامية وسياسية ومجتمعية واسعة، الأمر الذي ساهم بشكل مباشر في التعبئة المجتمعية من أجل إصلاح التعليم المغربي بقطاعاته المختلفة، وتحديدا التعليم المدرسي والعالي والتكوين المهني.
ما يعزز الحاجة لاستمرار المجلس في مهامه هو تسجيل بعض التراجعات في طرف المدبر الحكومي للقطاعات التربوية والتكوينية على الرؤية الاستراتيجية التي حددها المجلس. الأمر الذي يعني أن الحاجة ستظل قائمة لمواكبة تنزيل الرؤية بالدراسات العلمية والتحليلات لتبيان مدى التوفق أو الفشل في تنزيل هذه الرؤية، خصوصا بعد مرور نصف المدة التي خصصها المجلس لتنفيذ الرؤية، والمحددة في 2030. فضلا عن أن العديد من مشاريع القوانين المنصوص عليها في القانون الإطار لا يمكن أن ترى النور دون أن يبدي المجلس رأيه فيها.
المهتمون بالشأن التعليمي يرون أن هذا الجمود المبهم للمجلس يعني احتمالين لا ثالث لهما: الأول أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تعثر «بيروقراطي» مرده إلى تأخر المؤسسات العمومية والهيئات الممثلة في المجلس في تعيين ممثلين لها، لكون التمثيليات، سواء في المكتب أو اللجان الدائمة للمجلس، تأتي من اقتراحات الهيئات والمؤسسات التي ينص القانون التنظيمي للمجلس على أنها جزء من هياكل المجلس. وهذا الاحتمال يبقى بعيدا بحسب متتبعين، لكون مدة الثلاث سنوات هي مدة طويلة جدا، وبسبب المكانة الخاصة التي يحظى بها المجلس دستوريا، وأيضا بسبب المكانة الاعتبارية لرئيس المجلس ضمن هرم السلطة في المغرب، فإنه يصعب تصور إحجام المؤسسات العمومية والهيئات عن الاستجابة لطلب توصلت به من المجلس بخصوص تعيين ممثلين عنها.
الاحتمال الثاني أن يكون هناك تصور جديد لوظيفة المجلس يتم التهييء له، وهذا يعني ضرورة تعديل القانون الأساسي للمجلس. وهذا الاحتمال يبدو الأقرب للمعقولية، ذلك لأن مستوى تفاعل القطاعات الحكومية مع تقارير المجلس لا يتعدى حضور المناقشات دون تفعيل التوصيات واستدراك الاختلالات، بل إن ممثلي القطاعات الحكومية كانوا لا يخفون اعتراضاتهم على تقارير المجلس أثناء المناقشات.