سابقة دستورية
يتعرض قانون الإطار المتعلق بالتعليم لعملية موت بطيئة داخل ردهات البرلمان، منذ أن خرج رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران من فيلته بحي الليمون ليطلق عليه النار، بعد شيطنته وتصويره كتهديد للعقيدة وخطر على الثوابت الوطنية، رغم أن أعلى سلطة في البلد والمؤتمنة على حماية مؤسسات البلاد لم تر فيه ما رأى بنكيران.
في الحقيقة، لا نفهم كيف لقانون استراتيجي تبناه المجلس الأعلى للتربية والتكوين وصادق عليه المجلس الوزاري برئاسة الملك، ووافق عليه المجلس الحكومي برئاسة سعد الدين العثماني، وخصصت له العشرات من الساعات لمناقشته داخل البرلمان، وبعد ذلك يرمى في سلة المهملات، فقط لأن السيد بنكيران له اعتراض على بعض مقتضياته ويهدد بإسقاطه في حال عدم الخضوع لرغباته.
ليس مهما القانون في حد ذاته أو حتى عملية إقبار القانون، فلطالما تواطأت الحكومة والبرلمان على دفن العديد من القوانين المهمة، لكن بحد أدنى من الاحترام المحفوظ للمؤسسات، لكن أن يخرج شخص متقاعد لا يحمل أي صفة دستورية ولا حتى مسؤول حزبي ويحذر البرلمانيين والحكومة من تمرير القانون، وللأسف تخضع هذه المؤسسات لرغبته، فهذا أمر في غاية الخطورة ويستوجب وقفة حقيقية.
فنحن أمام سابقة خطيرة تجعل هيبة الدولة وقيمة المؤسسات على المحك، فلا يمكن أن تجتمع المؤسسات الدستورية على قرار استراتيجي سرعان ما ينهار بكلمة من فم شخص يفترض أنه كان مؤتمنا على مؤسسات البلاد. فالأهون على الدولة التي تحترم نفسها أن تمر قوانين ولو كانت مجحفة بطرق مؤسساتية وتحترم الدستور وسيادة القانون، على أن يتم إسقاط القوانين بطرق لا تراعي مقومات دولة المؤسسات.
فهيبة القانون وتطبيقه في أي مجتمع هما مقياس لمدى قوة الدولة، حيث لا سلطة تمارس على أي فرد في المجتمع إلا على أسس احترام المؤسسات.
والحقيقة أن ما يقوم به الحزب الحاكم والحكومة الهشة التي يقودها هو استخفاف واستصغار للمؤسسات، وهو يكشف عن خلل بنيوي خطير في ذهنية المسؤولين الذين يخافون من تحمل مسؤولياتهم ويعملون بسلوك النعامة وشعار «كم حاجة قضيناها بتركها»، فكل القضايا المصيرية في حياة المواطن يتركونها مشتعلة حتى تتآكل عناصرها بسبب لهيب السياسة وصدأ التجاهل وعدم الاكتراث.
ينبغي أن تفهم الطبقة السياسية التي ابتلانا الله بها في هذه البلاد، أن إقبار القوانين ليس حلا للمعضلة، وتجنب مناقشته والتصويت عليه لا يعني التوصل إلى توافق وطني هو نوع من سياسة الهروب إلى الأمام التي تعكس هشاشة الحكومة والبرلمان وتحولهما إلى مؤسسات «كارطونية» يمكن أن يعبث بهما من يشاء كيفما يشاء متى يشاء.
ومع ذلك، نظل كل مرة نسائل أنفسنا، بكل سذاجة وبغير قليل من البلادة: لماذا نأتي دائما في مؤخرة الأمم في التقارير الدولية، ولماذا تقدم غيرنا وتأخرنا نحن؟