ساء ما يفعلون
بدر الحمري
أشد ما يمكن أن تواجهه النفس هي اللامبالاة بآلام الآخرين، كما يفعل بعض الحَيَاحَة في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال نشرهم للأخبار الزائفة والشائعات والتحليلات العلمية الصحية والجيوسياسية وكل شيء، كل شيء تقريبا يظهر هؤلاء أنهم يفهمون فيه. وكما أن العلم الزائف يشكل خطرا على صحة المواطنين العقلية والنفسية، فكذلك الشائعات باسم العلم الزائف التي تنشط بشكل قوي في المجتمعات ضعيفة التفكير الناقد، التي ينتشر فيها الجهل والأمية والتسلط على عقول الناس. وما يغذي هذه الشائعات المغلفة بالعلم الزائف هو الخوف الذي يسكننا؛ لأن الخوف بصفة عامة طبيعة بشرية مشتركة بينه وبين الكائنات الحية الأخرى التي تقتسم معه هذا الكون، لكن ما يميز الإنسان بوصفه كائنا ثقافيا أنه استطاع إبداع أدوات وآليات ومؤسسات تيسر له السبل من أجل بلوغ مآرب أخرى تبتعد شيئا فشيئا عن صورته الحيوانية، لكن عندما تكون هذه الأدوات تحت سلطة الخوف الذي يسكنه فإنه لا معنى لهذه الثقافة ولا للحضارة، فـ«اللهطة» في تكديس المواد الغذائية، أو الرفع من أثمنة الكمامات الطبية ومعقمات البكتيريا من طرف دكاكين بيع الأدوية وغيرها مثلا دليل على بنيتنا العقلية الجمعية الفاشلة، بنية يمكن أن تظهر موسميا وفي كل ضائقة إنسانية، ومتى كان الإنسان أنانيا بطبعه، فإن هذه الأنانية تزداد توحشا في حالات الخوف من المجهول، أو فوبيا الموت. علينا إعادة النظر في مناهجنا التعلمية، وقبل ذلك علينا إعادة الاعتبار للمدرس، وتشجيع المنافسة العلمية لأنها وحدها من تنتشلنا من جهالاتنا الجمعية.
البشرية إن لم تتعلم من هذا الوباء الصحي الذي اعتلى كل التوقعات ليصبح جائحة عالمية، لا تفرق بين الصغار أو الكبار، الفقراء أو الأغنياء، السياسيون أو الفقهاء، فلن تتعلم أبدا. وإن لم نتحصن من بعض الأمراض التي ظهرت على هامش هذا الوباء مثل الشائعات، بتقوية الفكر الناقد في برامجنا التعليمية وتشجيع البحث العلمي، وتكريم أسرة التعليم والأطباء والعلماء وغيرهم من آل الفكر والعلم، فلن تقوم لنا قائمة. إن الشائعات غذاء المرضى العصابيين الذين يتاجرون بمخاوف الناس، والتقليل من مجهودات الأطباء أو الممرضين من شأنه أن يفشي القلق والكآبة بين الناس. والشائعة فرصة من في نفسه مرض اقتصادي أو إيديولوجي أو نفسي، ليدسه في المجتمع الآمن.
الإنسانية اليوم تعمل من أجل تقوية مسيرها العلمي والصحي والاجتماعي والاقتصادي، وهؤلاء (الساخرون جدا) يسخرون من أي محاولة في توعية الناس، أو تحسيس الناس بأعراض المرض، أو حتى من يمتنع عن مصافحتهم، وهي أمور تكشف عن عاداتنا الجديدة والثقافة السلبية التي تواكبها، والتي تعني في العمق أن المجتمع يعرف تبدلا أخلاقيا على مستوى بنياته القيمية المكتسبة، والمصيبة أننا نعتقد في أنفسنا خفة الدم والظرافات، والحال أن مثل هؤلاء من التخلف الأخلاقي أقرب، ومن النفاق التدييني ألصق، ومن محبة الناس أبعد. ألا ساء ما يحكمون، وساء ما يفعلون وما يعتقدون !
نافذة:
البشرية إن لم تتعلم من هذا الوباء الصحي الذي اعتلى كل التوقعات ليصبح جائحة عالمية، لا تفرق بين الصغار أو الكبار، الفقراء أو الأغنياء، السياسيون أو الفقهاء، فلن تتعلم أبدا