يونس جنوحي:
عندما تزور السيدة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية أي بلد في العالم، فإن زيارتها تحظى بمتابعة أمريكيات وأمريكيين لا يربطهم أي شيء بالسياسة.
بينما تتجول جيل بايدن داخل أحياء المدينة القديمة وأزقتها الضيقة، تبحث الأمريكيات بكثير من الفضول، في تفاصيل إقامتها والأماكن التي زارتها.
والأمريكيون لا يكتفون فقط بمعاينة الصور ومتابعة الأخبار، بل يُمسكون هواتفهم ويشرعون في حجز التذاكر ومقارنة أسعار الفنادق والبحث عن البرامج السياحية التي يمكنهم من خلالها إعادة نفس جولة السيدة «بايدن».
لذلك تعتبر تحركات السيدة الأولى وتنقلاتها، سواء كان زوجها جمهوريا أو ديموقراطيا، صديقا لروسيا أو لبريطانيا، دائما، الخبر الأول في الولايات المتحدة، خصوصا إذا كانت الزيارة رسمية. وعندما يتعلق الأمر بزيارة ودية تغلب فيها السياحة على الاجتماعات المغلقة، فإن الأمر يتحول إلى دعاية يقدمها البيت الأبيض.
زوجة أوباما حلت بالمغرب سنة 2012، وكان خبر وصولها رفقة بناتها على صدر الصحف الأمريكية، خصوصا وأن الزيارة وقتها تزامنت مع موجة الربيع العربي والاحتجاجات التي أكلت شوارع معظم الدول العربية والمغاربية. وتركت أغلب الأمريكيات كل ما له علاقة بالسياسة وانصرفن إلى البحث عن أسماء المحلات وماركات الملابس التقليدية التي ظهرت بها أوباما في الصور.
وقبل زوجة أوباما، سبق لواحدة من أكثر زوجات رؤساء أمريكا شعبية وإثارة للجدل في العالم، أن خلقت الحدث.
يتعلق الأمر بجاكلين كينيدي التي زارت المغرب في إطار زيارة شخصية وسياحية لا علاقة لها بجدول أعمال أو مهمة رسمية. حدث هذا في أكتوبر سنة 1963، وكان وصولها إلى المغرب حدثا تسابق من أجله المصورون والصحافيون العاملون مع كبريات المجلات العالمية، وحلوا بالمغرب في محاولة لاقتفاء أثرها قبل أن يكتشفوا أنها كانت مدعوة لزيارة بعض العائلات المغربية التي استضافتها داخل إقاماتها بعيدا عن أجواء الفنادق، وشعر هؤلاء المصورون بخيبة أمل كبرى لأنهم لم يفوزوا إلا بنزر قليل من الصور لجاكلين كينيدي وهي تتجول في المغرب وتحضر الحفلات الخاصة التي أقيمت على شرفها.
خبر وصول زوجة الرئيس كينيدي إلى المغرب تابعه الأمريكيون عبر مجلات الموضة وليس عبر نشرات الأخبار. ومن أطرف ما سُجل، بهذا الخصوص، أن مصورا من أصول آسيوية طلب تعويضا خياليا من مجلة «لايف» مقابل صورة لجاكلين كينيدي بالقفطان.
وانتشرت أخبار في الصحافة البريطانية عن سعر الصورة، الذي رفضت المجلة دفعه في البداية، وقيل إن الملكة إليزابيث علقت على الموضوع ساخرة من كينيدي.
والحقيقة أن جاكلين كينيدي لم تكن علاقتها بالملكة إليزابيث على ما يرام إلى حدود منتصف ستينيات القرن الماضي، خصوصا وأن السيدتين، معا، كانتا ترمزان إلى السلطة وتتربعان على عرش النساء الأكثر شعبية في العالم خلال القرن العشرين.
حتى أن حدث زيارة الزوجين كينيدي إلى لندن واستقبال الملكة إليزابيث لهما، علقت عليه الصحف بالقول إن الملكة تعاملت مع السيدة الأولى بكثير من الفتور، لكنها تعاطفت معها كثيرا عندما اغتيل الرئيس كينيدي في نونبر سنة 1963.
وعندما زارت إليزابيث المغرب، بعد ذلك بعقدين تقريبا، أزعجها تناول الصحافة البريطانية لصورتها وحيدة على المنصة، وعلامات الاستياء بادية عليها لأنها كانت تنتظر وصول الملك الحسن الثاني.
جاءت زوجة كلينتون في نهاية التسعينيات، وكانت صورها في القفطان على صفحات كبريات الصحف الأمريكية، وغطى خبر وجودها في المغرب على أخبار الشرق الأوسط.
زيارة السيدة بايدن لا يمكن استثمارها سياحيا وحسب لصالح المغرب، بل إنها استمرار لدعاية قديمة طالما جعلت الأمريكيين يعرفون أن زوجة رئيسهم توجد في مراكش، مثلا، بمجرد النظر إلى الصور، قبل قراءة الخبر.