زوجة التهامي اعبابو التي خطفت من ألعابها لتتزوج حاجب القصر وتتشرد معه بعد إبعاده عن السلطة
لم يكن التهامي اعبابو يعلم أن أيامه بالقصر الملكي ستصير معدودة بوفاة المولى يوسف، والد الملك محمد الخامس. إذ إن هذا الحاجب الملكي كان قد تدخل أكثر مما يجب لاختيار خليفة المولى يوسف، فكان أن أبعده الملك محمد الخامس عن السلطة مباشرة بعد جلوسه على العرش.
صداقة قوية جمعت التهامي اعبابو، الذي تقلد منصب الحاجب السلطاني بالقصر الملكي أيام المولى يوسف، وحاز على ثقته، إلى الحد الذي كان معه أقوى من جميع الوزراء. وكتب بعض ضيوف القصر الملكي أيام المولى يوسف، عن التهامي اعبابو وقالوا إنه كان أكثر الرجال نفوذا في المغرب.
كان اعبابو يتحدر من وسط اجتماعي مغاير للأوساط الراقية التي تربى فيها أبناء العائلات التي سيطرت على المناصب المخزنية، وتقول المصادر التاريخية إن الصداقة القوية التي جمعته بالمولى يوسف قبل أن ينصب ملكا، هي التي جاءت به إلى القصر الملكي، ومنحته فرصة تاريخية ليغير مجرى حياته إلى الأبد.
زوجته، والتي أشارت بعض المصادر الأجنبية إليها، بوصفها واحدة من أكثر النساء غموضا في تاريخ حريم القصر الملكي، رغم قصر المدة التي قضاها اعبابو في السلطة، كانت تتحدر هي الأخرى من أسرة تتحكم في قبائل منطقة الشاوية. وتقول بعض الروايات الأخرى إن اعبابو كانت له أكثر من زوجة واحدة، لكن زوجته الأولى كانت عبارة عن هدية حصل عليها من قبائل الشاوية حتى يكون قريبا منهم، لكن ابنة القبيلة ظلت بعيدة عن أهلها طيلة المدة التي قضاها التهامي اعبابو في منصبه إلى جانب المولى يوسف.
عاشت زوجة اعبابو جميع تفاصيل انتقال السلطة بعد رحيل المولى يوسف، إلى الملك محمد الخامس، وكان زوجها التهامي اعبابو متخوفا كثيرا لأنه كان يعلم أن مصيره سيكون هو الإبعاد تماما عن محيط القصر الملكي، لأنه استعمل نفوذه بالكامل ليؤثر على عملية انتقال السلطة، وينصب ابنا آخر من أبناء المولى يوسف مكانه، وليس الملك محمد الخامس.
زوجته كانت وفية لانتمائها القبلي، واعبابو كان يحرص على أن تبقى في الظل، ولم يكن ليغامر بإظهارها للعموم، حتى لو كان بعض الفرنسيين والأوربيين الآخرين ممن حاولوا ربط صداقات معه، يبادرون إلى إحضار زوجاتهم إلى الحفلات الخاصة التي كانت تنظم وقتها على شرف المسؤولين المغاربة. ظلت زوجة التهامي اعبابو كانت تصغره بسنوات كثيرة، ويروى أنها كانت طفلة أخذت من بين ألعابها في منزل أبيها، لتقدم هدية إلى اعبابو في إحدى زياراته لبعض زعماء القبائل.
بانقلاب حياة التهامي اعبابو رأسا على عقب، انقلبت أيضا حياة زوجته. فمباشرة بعد جلوس الملك محمد الخامس على العرش، انتبه إلى ما كان يقوم به اعبابو، وأمر بعزله فورا من منصبه، وصدر حكم بمصادرة جميع ممتلكاته بما فيها عدد من المنازل في منطقة الحبوس بالدار البيضاء.
شُرد التهامي اعبابو بعد صدور القرار من القصر الملكي، لكنه كان يتوقع أن يكون مصيره الإبعاد، لأنه أولا جاء إلى منصبه بناء على صداقة جمعته بالمولى يوسف قبل أن يصبح سلطانا، وكان يعلم أنه عندما تدخل في انتقال الحكم فإن مصيره سيكون الإبعاد النهائي إذا لم يصل الاسم الذي رشحه إلى السلطة. لكن زوجته كان عليها أن تؤدي الثمن غاليا، لأن اعبابو رفض أن يعيدها إلى قبيلتها، أو أن يبعدها عن صراعاته، وهكذا اضطرت إلى أن تعيش معه محاولة الفرار إلى فرنسا، لأنه كان يعامل بعض موظفي القصر معاملة سيئة للغاية وكان مدركا أنهم سيعودون للانتقام منه.
تدخل الفرنسيون على الخط، بناء على علاقاتهم السابقة مع التهامي اعبابو، وطلبوا من محمد الخامس أن يتراجع عن حكم مصادرة ممتلكات اعبابو، وأدوا عنه غرامة مهمة، ليسمح له الملك محمد الخامس باسترجاع بعض ممتلكاته فقط، فيم صودرت منه أخرى كان مشتبها في أنه حصل عليها مستغلا قربه من المولى يوسف.
وهكذا أدت فرنسا مبلغا مهما مقابل تمكين اعبابو وأسرته الصغيرة من مغادرة المغرب في اتجاه فرنسا، لكن بعض الروايات تقول إنه لم يرد المغادرة، وبقي هو وزوجته في منزل بسيط بعيدا عن السلطة وضجيجها إلى أن فارق الحياة سنة 1942، لتعيش زوجته بؤسا حقيقيا بعد وفاته، وتنتهي حياتها بعده بسنوات، وتدفن في مقبرة صغيرة.