شوف تشوف

الرأيالرئيسية

زمن الكازي

حسن البصري

في الأيام الأخيرة من البطولة الوطنية الاحترافية لكرة القدم، سجل نشاط ملحوظ للجنة التأديب وجارتها لجنة الأخلاقيات، بعد أن ساد الاحتقان حين داس اللاعبون والمسيرون على ما تبقى من نبتة الروح الرياضية.

لا يمكن أن تتابع مباراة من بطولتنا إلا وأنت في حالة استنفار قصوى تحسبا لانفلات سلوكي، يدك على «التيلي كوموند» ورغبتك في متابعة المباراة على انفراد خوفا من تسريبات منفلتة قد تغالط المخرج نفسه، وعينك على لاعب تظهر عليه أعراض الانفلات.

نحن اليوم أمام موضة جديدة، فكلما سجل لاعب هدفا إلا وتوجه نحو الكاميرا ليقدم وصلة مخلة بالحياء، ويتحفنا بما ملكت يداه من إيحاءات جنسية، حتى نتمنى لو أن الشباك لم تهتز لقذيفة هذا اللاعب حتى لا تهتز مشاعرنا. لكن كل لاعب في بطولتنا ينضح بما فيه.

حين سجل اللاعب الغابوني أكسيل مايي، المحترف باتحاد طنجة، هدفا في مرمى يوسفية برشيد، تجرأ جرأة غريبة بل وصدم جماهير اتحاد طنجة الحاضرين في الملعب، وملايين المشاهدين خلف التلفاز، حين أمسك بعضوه التناسلي وصوبه نحو الجماهير، وهو لا يدري أن تصرفه الأرعن دخل البيوت بدون استئذان.

على الفور تفاعلت لجنة التأديب التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مع الواقعة، وأصدرت بلاغا يقضي بتوقيف اللاعب وتغريمه 15 مليون سنتيم، بينما تابعته جمعيات أخرى بتهم ثقيلة.

ليس أكسيل مايي هو الفتى المستفز في بطولتنا، فهناك لاعبون آخرون من الوداد والرجاء وبركان أصبحوا زبناء لجان التأديب والأخلاقيات، فلا يهدأ لهم بال إلا إذا قدموا وصلاتهم الاستفزازية وبلغت حركاتهم أعلى مستويات «الطوندونس». متولي والداودي والتكناوتي والهلالي أبطال مسلسلات «الكازي» الذين يفسدون على الناس جلساتهم العائلية.

فشلت المقاربات التربوية في ردع نجوم «الشو» الكروي، وتبين أن قانون «ضربو لجيبو» هو الملاذ الوحيد، بعد أن عجز خطاب الجمعة عن الحد من سلوكيات مستفزة لمكونات الكرة، واستقالت جمعيات المشجعين وقدماء اللاعبين من دور التأديب، وفوضت أمرها لله.

في ملاعب الكرة تستحم العبارات الساقطة في حوض الدناءة وحين تنتهي المواجهة ليلا ويعود المشجعون إلى هواتفهم الذكية لممارسة لعبة الاستفزاز، ومنهم من يجفف شتائم النهار بدعاء الاستغفار. والحصيلة أننا أمام مشهد كروي يقطر استفزازا ومباريات ختامها زفت.

من المفارقات العجيبة في بطولتنا، أنه كلما فسدت أخلاق الرياضيين ارتفعت مداخيل عائدات العقوبات المسلطة على المنفلتين، حتى فاقت المليون درهم. وكلما زاد مفسدو الفرجة انتفخ الصندوق، بل هناك توجه نحو رفع الغرامات المالية إلى العشرين مليون سنتيم كآخر وسيلة للردع.

بالأمس كانت هيئة النهي عن المنكر الكروي تحمل اسم «لجنة التأديب والروح الرياضية»، في غفلة من الجميع انسحبت «الروح الرياضية» وظل التأديب حاضرا، قبل أن يتعزز بلجنة «الأخلاقيات».

بالأمس كانت اللجنة مجرد فزاعة في حقول الكرة المغربية، واليوم أصبحت مصدر دخل يوازي مداخيل مستشهر درجة ثانية. لكن لا بد من استثمار عائدات المنفلتين في ما يعيد ترتيب المشهد الكروي وتخليقه، وإحياء جائزة اللعب النظيف، ومحاربة الطفيليات التي تعبث بالناشئة وترمي بلازمة «إنما الأمم الأخلاق» في مطرح النفايات.  

نحن مطالبون قبل أي وقت مضى بإلزام الفرق المغربية بضم واعظ بدرجة مرب لطاقمها، حتى لا تعاني فرقنا من ضعف اللياقة الأخلاقية، وكي لا يأتي يوم يصر فيه التلفزيون المغربي على تذكيرنا قبل كل بث مباشر لمباريات الكرة، بأن المحتوى يتضمن مقاطع قد لا تلائم الجمهور الناشئ. وأسفل الشاشة يظهر شريط كتب عليه: «لا ينصح تتبع هذه المباراة من طرف الأطفال أقل من 18 سنة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى