حسن البصري
ارفعن رؤوسكن يا «لبؤات الأطلس»، فقد ضاع منكن لقب كأس أمم إفريقيا، ولكن لا أحد ينكر فوزكن بقلوب المغاربة. سيروا في الأرض مرفوعات الهامات، فما ضاع كأس وراءها مثابر.
ارفعن رؤوسكن فأنتن بطلات ووصيفات بطل وسليلات أبطال، في عروقكن تجري دماء نساء أنجبهن هذا الوطن، فيكن شيء من خناثة بنت بكار وزينب النفزاوية وكنزة الأوربية والسيدة الحرة وثريا الشاوي.
لا تستسلمن للإحباط، فالهزيمة في الملعب بشرف أفضل من انتصار مفترى عليه، لقد أبليتن البلاء الحسن على امتداد أطوار المنافسات القارية، بفضل أدائكن المبهر تحولت مدرجات ملعب الأمير مولاي عبد الله إلى لمة عائلية كبرى، لأول مرة في تاريخ الكرة المغربية يجتمع الأهالي لنصرة سيدات الكرة، ومساندة المنتخب الوطني.
صحيح خسرنا معركة، لكننا لم نخسر الحرب، انهزمنا في مباراة، لكننا لم نسقط من لوائح التاريخ وتصنيفات «الفيفا»، ولم نخذل الجماهير التي طوت المسافات لتؤازركن في ليلة افتقد فيها الكأس ولم يفتقد البدر.
رجاء لا تدعن الإحباط يسقطكن في مصيدة الشرود، لا تبحثن عن مبررات الهزيمة ولا تمسحن الأخطاء في تلابيب مدرب يغالبه السهو، فالجنة دوما تحت أقدام الأمهات.
لا نريد جمهورا يحمل سياطه بعد كل هزيمة، لا نريد «مؤثرا» ينصب المشانق لهذه الكتيبة، لمجرد خسارة في النهائي القاري. استمري أيتها اللاعبة في الحلم، فلا أحد يؤدي على الأحلام الجميلة رسوما.
هناك مفارقة عجيبة تستحق أن نتوقف عندها، فحين خسر المنتخب المغربي الذكوري لكرة القدم في المباراة النهائية لكأس أمم إفريقيا في تونس سنة 2004، لم تجثم غيمة الحزن فوق سماء وطننا، ما أن انتهت مباراة ملعب «رادس»، حتى خرج آلاف المغاربة إلى الشارع العام احتفالا بلقب وصيف البطل، حتى خيل للتوانسة أننا الفائزون من فرط الاحتفال.
وحين خسر المنتخب الوطني النسوي لكرة القدم نهائي كأس أمم إفريقيا، سيطر مشهد الإحباط، وغادر المشجعون المدرجات وكأن على رؤوسهم الطير، أما الذين تابعوا المباراة من المقاهي فانسحبوا في صمت مكسوري الوجدان، تشيعهم نظرات نادل جمع محصول الأمسية الرياضية، قبل أن تظهر على الزبناء أعراض الانكسار.
لماذا سعدنا لخسارة الذكور، وتألمنا لخسارة الإناث؟
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا، وسيأتيك بالأخبار من نصب شراك العداء للاعبات كان مطلبهن الوحيد، الحق في التصفيق بعد الوصافة القارية، لا في الصفير الذي يتسلل إلى الأفئدة، فيعبث بما تبقى من معنويات.
حين انهزم المنتخب المغربي أمام نظيره الجنوب إفريقي، انسحب الجمهور من المدرجات بشكل جماعي، هجر المتفرجون المدرجات دون أن تجد اللاعبات من يرمم معنوياتهن ولو بزغرودة على سبيل الإعارة، ومقدم تصفيق وإشادة ولو بـ«سيلفي» عند بوابة الملعب.
ارفعن رؤوسكن عاليا، لا تدفننها في الرمال كالنعام، أداؤكن عزيمتكن إصراركن يجلب لكن التقدير والاحترام، لقد حملتن المرأة المغربية إلى دائرة العالمية، وجعلتن المغاربة يتكلمون كرة نسوية على امتداد شهر كامل، ونفضتن الغبار عن اللاعبات الأوليات اللواتي «تطاولن» على لعب الذكور، ونلن من أجل هذا الاختراق تهمة التشبه بالرجال، فجاز فيهن القصاص قبل أن ينصفهن القدر و«الفيفا».
لم تكن كأس أمم إفريقيا للإناث من نصيب المغرب، لكن بلدنا كسب رهان تنظيم هذه النسخة الأنجح في تاريخ «الكاف» بشهادة كل الأفارقة والاتحاد الدولي لكرة القدم.
لم نحصل على الكأس، لكن ابتداء من الغد سينتهي الحصار المفروض على الفتيات، سيسمح لهن آباؤهن بلعب الكرة، سيحصلن على ترخيص أبوي بمقارعة الذكور، فليس ذنبكن أن تولدن بأقدام ناعمة، وليس ذنب أمهاتكن حين أرضعنكن حليب الموهبة المبستر.
من اليوم لم تعد الملاعب محميات ذكورية، في كرة القدم شريعة أخرى «للرجل مثل حظ الأنثى».