شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

رياضيون هزموا السرطان

حسن البصري

قبل انطلاق مجموعة من المباريات المحلية والعالمية لكرة القدم، تذكر بعض المسؤولين خصما لا يشق له غبار اسمه «السرطان»، فتوقفوا لاستحضار رياضيين هزموه وآخرين خسروا المواجهة.

في اليوم العالمي للسرطان، نابت كثير من الفرق الرياضية عن الهيئات الصحية الرسمية في التحسيس بمرضى هذا الداء، فحمل لاعبوها لافتات تذكرنا بمعاناة فئة واسعة من المصابين، الذين نسيناهم أمام انشغالنا بزحف وباء كورونا ومتحوراته.

في منصات التواصل لبعض الأندية الرياضية إشارات إلى المرض الذي يضرب الأجساد والجيوب، وتذكير للأصحاء بأن «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى»، بينما لا يزال إعلام أندية أخرى يؤمن بأن السرطان داء ينخر كيان الفريق، حين تنهار مناعته في المباريات فقط.

يضيق المجال هنا للحديث عن أسماء اللاعبين الذين خاضوا مباريات عسيرة ضد داء السرطان، منهم من نجح في نزال العمر، بالرغم من شراسة المباراة، ومنهم من خرج مهزوما، فكان نصيبه حيز صغير من العزاء في الصفحة الرسمية لفريقه، ومرثيات الأصدقاء.

أما النجوم فنصيبهم دقيقة صمت لقراءة الفاتحة على أرواحهم، ووعد بمباراة تأبينية حين ينجلي الوباء، فالموتى ليسوا سواسية أحيانا.

لا توفر الأندية الرياضية تغطية صحية للاعبين، ولا تملك في مقراتها مصلحة اجتماعية يقصدها المرضى لعرض نكباتهم، ولا مكانا في العيادات الطبية إلا لمن بأقدامهم كدمات وكسور. لذا يبحث اللاعبون عن ملاذ آخر يتحمل معهم جزءا من نفقات علاج تختلط فيه رائحة «الشيميو» برائحة الجحود.

مات رشيد تفاح، لاعب الوداد، بعد أن يئس من رحمة المسيرين، وقضى اللاعب الدولي أبرهون وهو في عز عطائه، وغادرنا الحكم الدولي السابق بلفتوح، بعد أن انقلبت الآية وأشهر الداء في وجهه بطاقة حمراء، بينما استغل كورونا نزول مؤشر المناعة في أجساد بعض الرياضيين الذين يخضعون لحصص علاج ضد السرطان، فاختلى بهم كوفيد وفتك بهم في غفلة من الجميع، رحمك الله يا بوحاجب.

لكن هناك عدد من الرياضيين الذين يصرون على مواجهة المرض بقدر كبير من الصبر والشجاعة والإيمان، في قصصهم تستلهم روح الأمل وتعيش القطيعة مع الألم، وتكاد أن تمنحهم لقب البطولة الفخري.

بالمقابل هناك فئة ترابط في مواقع التواصل الاجتماعي لاهثة عن سبق من رحم معاناة الناس، فتتسابق إلى إعلان وفاة رياضيين قيد العلاج وهم أحياء، وتحيلهم إلى بقايا جلد وعظام، تنتشلهم من طوابير مختبرات السرطان، لتجمع «لايكات» الراكضين وراء الإثارة الرخيصة.

يسقط التضامن بين نجوم الكرة حين يصبح اللاعب عنصرا أساسيا في مصحات العلاج الكيميائي، ويبحث الناس عن محسن يحمل صفة مشجع سابق، وحين يكون المصاب مشجعا بتزكية من قيادة فصائل الألتراس، يتحول بيت المريض إلى مزار تقف أمامه حشود المساندة، وتعزف موشحات المدرجات، فيستجيب لها الجسد العليل مكرها.

من المفارقات الغريبة أن يسعى النجوم المغضوب عليهم إلى الخير، ففي واقعة الطفل ريان أعلن عبد الرزاق حمد الله تبرعه بمسكن مجهز لفائدة أسرة غريق البئر، حين اكتفى باقي النجوم بطبع صورة الطفل على قمصانهم الداخلية، واستبدال بروفايلات «الإنستغرام»، حتى تتلاءم مع الفاجعة.

وحين كان المجتمع الكروي منشغلا باعتزال حكيم زياش اللعب الدولي، وخلافه مع المدرب وحيد، أكثر من الانشغال بجفاف الأرض، كشف عبد الرزاق ذو الفقار، رفيق دربه، عن الوجه الإنساني لنجم تشيلسي، وقال إن حكيم تبرع بما حصل عليه من أموال مع المنتخب الوطني لمرضى السرطان في مدينة أكادير، مقدما ما يكفي من أدلة حول الصبيب المرتفع للإنسانية في دواخل هذا اللاعب.

هناك في قنافذ الكرة كائنات ملساء، هناك لاعبون يلقحون الملاعب بلقاح الإنسانية سرا وعلانية، ويكشفون عن شهامتهم خارج خطوط التماس. لأن الشهامة كالأراضي السلالية لا تباع ولا تشترى.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى