شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

رمضانيات..

 

 

يونس جنوحي

 

منذ أن عرف المغاربة الصيام، وهم يمارسون إلى جانب العبادة، عادات ارتبطت بالشهر الفضيل حتى صارت جزءا لا يتجزأ من الطقوس الرمضانية.

أبرز هذه العادات تزجية الوقت. ومع دخولنا زمن «الرقمنة»، فقد تحولت تزجية الوقت من الاجتماعات المصغرة وتبادل الحكايات والتجارب، إلى فتح القنوات وبث المحتوى.

حتى أن افتتاح قنوات «البودكاست» عندنا صار ينافس افتتاح المقاهي في الأزقة والأحياء.

كل ما يتطلبه الأمر اقتناء كاميرا مع عدستين ومعدات للصوت وفتح قناة في «اليوتوب» واستضافة الناس وفتح باب الحوار لساعة وربما أكثر، و«رمي» الحلقة في وجه المشاهدين أو المستمعين، لا فرق.

المصيبة أن بعض المسؤولين، وبينهم وزراء، من الباحثين عن حصد «الإعجاب» لا يجدون حرجا في الحلول ضيوفا في برامج من هذا النوع، مُقدموها ليسوا صحافيين ولا إعلاميين ولا متخصصين في أي مجال، حتى يتوفروا على «الأهلية» لاستضافة مسؤول عن قطاع ومناقشته. وكل ما يملكونه هو صفحات عدد مُتابعيها يتجاوز نصف مليون متابع.

منذ القدم، أدمن المغاربة متابعة ما يروح عن أنفسهم. والأساتذة المغاربة المتخصصون في «الفُرجة» يُدركون كيف كان أجدادنا يتفننون في المزاوجة بين العبادة خلال شهر رمضان والترويح عن أنفسهم، خصوصا في الفترة ما بين العصر والمغرب.

كان للمغاربة قُطبان للفرجة الرمضانية، واستمرا في الهيمنة على المشهد لقرون. أقواس جامع القرويين في فاس، وساحة جامع الفنا في مراكش. كلاهما مكانان للفرجة في شهر رمضان.

في القرويين يتفرغ بعض العلماء لتقسيم السيرة النبوية على حلقات طيلة الشهر الفضيل، يتزاحم الناس لسماع تفاصيلها كل سنة.

حتى أن أبرز المتخصصين في علم الحديث والسيرة كانوا يُخصصون وقتهم كاملا لحكاية قصص السيرة النبوية وتعزيزها بالأحاديث والتفسير وشد انتباه المُستمعين، الذين يأتون إلى المسجد بعد صلاة الظهر ولا يغادرونه إلا مع اقتراب وقت الإفطار.

وفي ساحة جامع الفنا بمراكش، باستثناء السنوات التي يحل فيها رمضان في فصل الصيف، فإن الفُرجة مضمونة، ويتفرغ أبرز الحكواتيين، لتقسيم حكايات من التراث، ببراعة شديدة كما لو أنهم مُخرجون سينمائيون، على حلقات تناسب عدد أيام شهر الصيام، ويجعلون المستمعين والمشاهدين ينتقلون معهم إلى عصر رحلات ابن بطوطة، وبطولات القادة المغاربة الذين حاربوا الإسبان والبرتغال، ومغامرات ملوك الطوائف والمغادرة المُذلة للأندلس، وبطولات الملوك المغاربة القدامى، وقصص المؤامرات والدسائس، ويجمعون فيها بين الفرجة والفكاهة والموعظة. ويُشترط وقتها في الحكواتي أن يكون محترفا، وحاصلا على الأهلية من كبار الحكواتيين الذين فرضوا هيبة خاصة على أجواء «الحْلقة» فوق أرض جامع الفنا.

انظروا إلى حال الساحة اليوم، وهي تستعد لاستقبال وقت الإفطار. مُسافرون تائهون، وباعة لأعشاب إنقاذ الزواج، ومروضو الثعابين الذين يجبرون الأفاعي هي الأخرى على صيام الشهر الفضيل ويتركونها رفقة القردة تتضور جميعها جوعا في تعذيب ممنهج. وعباد تائهون يتجولون بين الحلقات. حتى أن بعض من صاروا يُسمون أنفسهم «فنانين»، ويُشهرون بطاقة الفنان التي حصلوا عليها من وزارة الثقافة، لا يجدون حرجا في احتلال مساحة من الساحة التاريخية ويحاولون بمشقة شديدة إضحاك الناس وابتذال نكات تجمع بين البذاءة وقلة الذوق.

هناك شباب مغاربة يُغردون خارج سرب الدعم العمومي، ويقدمون في «الإعلام البديل» محتوى مميزا بإمكانهم أن ينافسوا عالميا على جودة ما يقدمونه ويتابعه الشباب المهتم. لكن بالمقابل هناك انتعاش كبير للتفاهة، تتزعمه أسر بأكملها لا تجد حرجا في مشاركة كل تفاصيل حياتها مع «المشاهدين» و«خوتي لمْغاربة»، في سبيل حصد المتابعين ومراكمة ساعات المشاهدة، وانتظار عائدات القناة قبل حلول عيد الفطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى