عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، تُغَل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حرم))، رواه الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح.
ما أجمل نسيم هذا اليوم، وما أروع شداه فقد انشق فجر هذا اليوم عن ميلاد شهر ازدانت الدنيا فيه، وأشرقت أنوارها وهبت رياح الإيمان تنساب بين أرجائها.
مرحبا بك يا رمضان، جئت بعد عام كامل، مات فيه قوم وولد آخرون، وسعد قوم وشقي آخرون، واهتدى قوم وضل آخرون.
رمضـان أقبل قم بنـا يا صاح هـذا أوان تبـتل وصلاح
واغنم ثواب صيـامه وقيـامه تسعـد بخيـر دائـم وفلاح.
عن أنس بن مالك عن النبي قال: ((افعلوا الخير دهرَكم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده))، حسنه الألباني.
رمضان فرصة للتوبة، فالله قد فتح أبوابه وأجزل ثوابه، ((يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))، رواه مسلم. يفرح بتوبة عبده وليس أحد أشد فرحا من الله بها، ((لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلَتَت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيِسَ منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيِسَ من راحلته، فبينا هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخِطامِها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح))، رواه مسلم.
مَنْ لم يتب ويرق قلبه في رمضان فمتى يتوب؟ مَرَدَةُ الشياطين قد صُفدت، وسحائب الإيمان أطلت وأظلت، وبيوت المسلمين قد لهجت بالدعاء.
إن رؤية هلال الصيام في السماء لهي إشارة بالغة لبدء معركة الإرادة وجولة العزيمة، فالصوم يدرب المسلم على أن يمتنع باختياره عن شهواته وملذاته، في إرادة قوية ثابتة، لا يضيرها كيد الشيطان، ولا تعدو عليها عوادي الشهوة، فانظر أي قانون من القوانين يحقق ذلك؟ وأي أمة من الأمم تجد ثلاثين يوما من كل سنة قد فُرضت فرضا لتربية إرادة شعبها.
إن هذه الإرادة وهذه التربية الرمضانية يجب أن لا تذهب أدراج الرياح، بل الواجب أن ترسخ في النفوس، وأن تكون جزءا لا يتجزأ من كيانها، حتى إذا انتهى الشهر وودع بقيت آثار هذه الإرادة وهذه التربية في النفوس، فلا يكون ذهابها إلا حين تروح الروح، «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين»، الحجر: 99.
رمضان فرصة للدعوة إلى الله وتذكير الغافلين وإرشاد التائهين، فلئن كان الناس يجتهدون في إفطار الصائم ليتحصلوا على مثل أجر صيامه، فإن من يهتدي بسببه إنسان له مثل أجر صيامه وصلاته وحجه وزكاته، وكل عمل صالح يعمله، ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا يَنقُص من أجورهم شيئا))، رواه مسلم. فرمضان فرصة ذهبية للدعوة، فالنفوس فيه قد مالت إلى الخير، وخف ضغط الشيطان عليها، والواقع يشهد بذلك. فاعرض بضاعتك أيها الداعية، ولا يكن أهل الدنيا أكثر منك جدا وأعظم سعيا.
إن مما يشحذ الهمم ويقوي العزائم ويبعث على الجد في العمل النظر في حال السابقين وخبر الصالحين، ثم الاقتداء بهم والسير على طريقتهم واستقبال رمضان بالجد والنشاط.
ذكر الأصفهاني قال: قال عبد العزيز بن مروان: كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان: «اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر، فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا منه الجد والاجتهاد والقوة والنشاط، وأعذنا فيه من الفتن».
إن من الناس من يدخل عليه رمضان ويخرج دون أن يشعر به أو يحس له بأثر، فتضيع عليه أوقاته في ما لا ينفع، وقد قال السلف: «من علامة المقت إضاعة الوقت».
بل إن منهم من يزداد غيه ويعظم شره في هذا الشهر، فلا يحرم نفسه الأجر فقط، بل يرصد فيه مزيدا من الوزر.
يا ساهيا لاهيا عما يـراد بـه آن الرحيـل وما قدمت من زاد.
ترجو البقاء صحيحا سلما أبدا هيهات إن غدا فيمن غدا غـاد.
«قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين».