يونس جنوحي
يجري التحضير في هذه الأيام لسيناريو فيلم أجنبي، من المرتقب أن يتم تصويره في المغرب خلال النصف الثاني من السنة المقبلة ما بين مدن الدار البيضاء وفاس وورززات، يتناول أحداث مرحلة مهمة تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية.
إنتاج الفيلم بشراكة بين شركة هولندية وأمريكية. لم يتقدم المنتجون بعدُ للحصول على ترخيص للتصوير في المغرب، لكن بحكم أنهم سبق لهم الاشتغال على تصوير أعمال سابقة هنا، فقد أجروا اتصالات لبداية الترتيبات لتحديد المواقع المناسبة للتصوير.
المشكل أن مثل هذه الأعمال، تحمل مغالطات تاريخية كثيرة، ويجري تصوير بعضها في المغرب دون أن يقف أحد عند هذه المغالطات التي تشوه أحيانا الوقائع والأحداث التي كان المغرب مسرحا لها خلال مرحلة الحرب.
لن يتسع المجال هنا لذكر كافة الأعمال السينمائية التي جرى تصويرها عن مرحلة الحرب العالمية الثانية في المغرب، لكن بعضها قدمت فعلا المغاربة على أنهم كانوا يعيشون في القرون الوسطى عندما كانت رحى الحرب تدور في باريس وبرلين ولندن، حتى أن أحد الأفلام الذي لعب فيه “براد بيت” دور البطولة، ويتحدث عن الجواسيس الأمريكيين في الدار البيضاء خلال الحرب العالمية الثانية، صور المدينة على أنها منطقة صحراوية قاحلة، يخرج فيها البطل من “المْدينة القْديمة” مباشرة إلى الصحراء ليجلس بجوار راع للجِمال.
هناك دول لا تسمح أن يعتدي المُنتجون بشكل سافر على تاريخها وجغرافيتها. وحتى لو تعلق الأمر بقصص خيالية، فعندما يُشير مخرج العمل إلى اسم مدينة من مدن البلاد، فإنه يكون مقيدا أخلاقيا بعدم تضليل المشاهدين.
إذا أراد المخرج أن يصور عملا في مدينة تطل مباشرة على الصحراء في عمل درامي خيالي، فإن لديه حرية أن يجعل المدينة مُعلقة في السماء. لكن عندما يتعلق الأمر بفيلم مقتبس من مذكرات قدماء جواسيس الاستخبارات الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، فإن ذكر الدار البيضاء يجب أن يصور المدينة كما كانت عليه في تلك الفترة، تحريا للمصداقية، وأيضا لكي تكون القصة أكثر إقناعا.
مدن المغرب الكبرى خلال مرحلة الحرب العالمية الثانية لعبت دورا كبيرا في إيواء اللاجئين الأوروبيين وليس الفرنسيين وحدهم. وفي الوقت الذي كانت فيه الحياة مستحيلة في باريس ولندن، فقد كان الأوربيون ينعمون بحياة هادئة في المغرب ويدخلون إلى المسارح ودور السينما وينظمون الملتقيات الأدبية.
بعض المُنتجين يؤمنون أن الخلطة السرية لبيع فيلم إلى المشاهد العالمي، تتمثل في تصوير الآخر على أنه غارق في التخلف والجهل، ويعيش في تلك المنازل الطينية المنخفضة، ويبيع بناته في سوق النخاسة. ولا بد أن يعيش في الصحراء!
لا يمكن أبدا اختصار مرحلة الحرب العالمية الثانية في بطولات الأجانب، فقد لعب المغاربة أيضا دورا كبيرا في حسم تلك الحرب لصالح الحلفاء.
لعب الملك الراحل محمد الخامس دورا كبيرا في الحفاظ على ممتلكات النازحين الأجانب الهاربين من الحرب، والذين هرّبوا معهم التحف والممتلكات والإرث الفني لعائلات أوروبية عريقة. وبعد الحرب نقلوا ممتلكاتهم بدون مشاكل لتعود إلى أوروبا، دون أن يصادرها منهم أحد في الجمارك.
بحسب المصادر التي تحدثت لنا عن مشروع الفيلم المُنتظر تصويره في المغرب، فإن الأمر يتعلق بمشاركة نجوم عالميين، وسيناريو مشوق يتناول حياة الجواسيس خلال الحرب، والصداقات التي أنشأوها مع المغاربة لتنفيذ مهمة سرية في قلب المغرب، تستهدف بقايا النازية.
لكن بعض المخرجين لا يزالون مصرين على تصوير العربي بتلك الصورة القديمة: قبعة فوق الرأس، ولحية عشوائية، وجيب واسع لا يشبع من جمع المال الذي يستجديه من “الأوروبي”..