شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

«ركلات» بعد المباراة

يونس جنوحي

 

أعتى الدكتاتوريات في العالم كانت دائما تحتاج إلى انتصارات في الرياضة، لكي تعوض التمريرات الضائعة في القمم والمؤتمرات.

العالم لم يصب بالجنون مؤخرا فقط لكي يدعي البعض أنهم لا يفهمون سر الاهتمام بمباراة في كرة القدم بين المنتخبين المغربي والجزائري، فالجنون العالمي بالرياضة قديم من أيام الحرب العالمية الثانية. أعتى المعارك لم تُخض في الميدان فقط وإنما في الملاعب أيضا. عداء أمريكي تعرض لمضايقات أثناء مشاركته في الألعاب الأولمبية التي استضافتها برلين في عهد هتلر. هذا الأخير الذي حاول إذلال خصومه سياسيا محاولا إبهارهم بالكرة.

أما مباراة نهاية الأسبوع الذي ودعناه، فلم تكن سوى مواجهة بين فريقين ينتميان إلى نفس الرقعة الجغرافية. أغلب لاعبي الطرفين يمارسون اللعبة في نفس الدوري، وهو الدوري السعودي وهم زملاء بل ويلتقي بعضهم بعضا في النوادي وجلسات الترفيه.

المشكل أن المغاربة والجزائريين أخذوا المباراة على محمل الجد. و أن بعض الأشقاء العرب، من دول عربية ولاجئين في دول عربية أخرى، اعتبروا المباراة مواجهة بين معسكرين وانبروا في الدفاع عن الطرف الذي قاموا بتشجيعه. والحال أن هذه ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها المنتخبان المغربي والجزائري والأكيد أنها لن تكون الأخيرة.

الحمد لله على نعمة الأنترنت، فهي الوسيلة الوحيدة التي كشفت بالملموس أن بعض الأشخاص الذين يقدمون البرامج التي تلقى نجاحا كبيرا في العالم العربي ولدى الجاليات العربية في كل أصقاع العالم، ليسوا في الحقيقة سوى مجانين ومعتوهين وضعاف إدراك. والحمد لله أن لديهم فريق إعداد يشرف على برامجهم التي تكلف ميزانيات أشهر القنوات العربية ملايين الدولارات سنويا. هؤلاء الأشخاص عاجزون عن صياغة جملة ترقى إلى مستوى الدور الإعلامي الذي يمارسونه. سقطوا، مع صافرة حكم المباراة، في فخ السطحية كما لو أنهم مشجعون من الدرجة الخامسة. هؤلاء الإعلاميون انتظروا إلى أن انتهت الضربات الترجيحية، لكي يعلنوا أنهم يشجعون المنتخب الجزائري منذ البداية. بل وبالغوا في موضوع هذا التشجيع كما لو أنهم يشجعون ممثلا عن «الأمة العربية والإسلامية» ضد فريق أجنبي.

مشكلة هؤلاء العرب أنهم مصابون بداء المناشير الصفراء التي لو كان لها أي دور، فإنه لا يتعدى تبرير مصاريف وزارات الثقافة من المحيط إلى الخليج طيلة نصف القرن الأخير. فجأة أصبحت الجزائر بالنسبة إليهم، الناصر الأول للقضية الفلسطينية. والحقيقة أن هؤلاء الناس عندما كانوا يتجولون بين حانات أوربا بحثا عن دعم لإصدار مجلة عن الأدب العربي، فإن المغرب كان سباقا إلى تأسيس بيت مال القدس، واستضاف القمم العربية في عز أزمة حريق المسجد الأقصى سنة 1969 وما تلاها من أزمات، في الوقت الذي كانت فيه طائرة الهواري بومدين لا تحلق إلا إلى روسيا، إما طلبا لدعم الاتحاد السوفياتي أو للعلاج.

وفي الوقت الذي كان فيه المغرب يدعو للقاءات مع رؤساء أمريكا المتعاقبين طيلة خمسين سنة الأخيرة، لفك العزلة عن سكان قطاع غزة وحل توتر الانتفاضة الأولى ثم الثانية، كانت الجزائر مشغولة بقضاء عطل مسؤوليها في باريس، حيث أصبحوا يفهمون في ماركات «السيكار» والمعاطف الثقيلة ويقتنون القبعات الروسية كما لو أنها سوف تُثلج في تلمسان.

هؤلاء الإعلاميون العرب الذين شكروا الجزائر على «الانتصار» كما لو أنها لعبت مباراة ضد جنس بشري آخر، كان عليهم الاكتفاء بمراقبة حال بلدانهم. فلا هم تخلصوا من ديكتاتوريي بلدانهم، ولا هم قادرون على استنكار الاستعمار الذي يعيشونه. وبدل أن يكتفوا بتقديم برامجهم وتنفيذ ما ينجزه فريق الإعداد من أجلهم، دخلوا في حرب لا توجد أساسا إلا في هواتفهم.

بالله عليكم، هل استطاع أحد أن يفرق بين ملامح ووجوه اللاعبين في مباراة يوم السبت؟ لولا ألوان الأقمصة لما استطاع أحد أن يحدد جنسية أي من اللاعبين فوق العشب الأخضر. يا أخي حتى عموتة عندما يغضب ويغير ملامحه بطريقته الفريدة، تكاد تُجزم أنه من أقارب بومدين! إننا في الأخير قبيلة واحدة، وفي الشرق لا يستطيعون فهم هذا الكلام، حيث الطائفية توصل الصحافيين إلى كبريات قاعات التحرير.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى