رقم صادم عن معدلات وفيات الأطفال المغاربة خلال فترة الحماية الفرنسية
يونس جنوحي
الأكيد أن تقدما كبيرا تحقق في ميدان الصحة والنظافة خلال السنوات الأربعين الماضية، وهذا الأمر أثّر في ارتفاع عدد السكان، حيث تجاوز الضعف.
قال لي أحد الدكاترة:
-«بمجرد ما أن تغلبنا على الشك الأولي، تعاون معنا الناس بإخلاص. في النهاية يستطيعون رؤية النتائج، وهم الآن ممتنون للغاية. في الحقيقة يبدو أن الوحيدين الذين لا يشعرون بالامتنان لإنجازاتنا الطبية هم بعض القادة الوطنيين».
تناولتُ الكتيب الذي كنت أحمله معي. كان ينتقد الفرنسيين بشدة لأن مرافق المستشفى، المخصصة للأوروبيين، أفضل من تلك التي خصصت للمغاربة. وهذا الأمر صحيح، لكن لم تتم الإشارة إلى حقيقة مفادها أنه إلى أن جاء الفرنسيون نادرا ما كانت الخدمات الصحية المحلية موجودة على الإطلاق.
هناك رقم لفت انتباهي: «لم تكشف السلطات أبدا عن معدل الوفيات الرهيب في صفوف السكان المحليين، خصوصا الأطفال. معدل وفيات الأطفال المحليين كان هو 283،6 في الألف، وهو المعدل الأعلى في العالم، بينما كان معدل الوفيات في صفوف الأطفال الفرنسيين في المغرب 84،1 في الألف».
معدل 283،6 في الألف كان رقما مُلفتا لأن المغرب لا يتوفر على إحصائيات حية، وبالتالي فإن هذا الرقم يستدعي أن يتم التحقق منه.
لم يكن أي زعيم وطني قادرا على شرح كيف تم الوصول إلى هذه النسبة. ولا السلطات الفرنسية في الرباط – والتي لم تظهر أي تردد في الكشف عن معدلات الوفيات- استطاعت ذلك أيضا، وكانت كل الإحصائيات المنشورة متاحة، بالفعل، مجانا.
وجود تجمعات غير منظمة، خصوصا في «القرى»، يعني أنه لا توجد أي سجلات رسمية للولادات، الزواج أو الوفيات، وهذا الأمر لا ينطبق على السكان الأوروبيين.
على نحو طارئ، معدل الوفيات في صفوف الأطفال في هذه الحالة هو 63 طفلا في الألف وليس 84,1، ومع ذلك أصبح من الممكن، أخيرا، إجراء تقديرات واسعة تشمل عددا من المستويات والأقسام.
في جميع المدن الكبرى في المغرب، تم تسجيل رقم قياسي لأول 1000 طفل وُلدوا في سنة 1951. وبعد سنة، بالضبط، الزوار التابعون لقطاع الصحة استفسروا عن رفاهية هؤلاء المواليد. هذه المعاينة أظهرت أن الوفيات في صفوف الأطفال المغاربة بلغت معدل 129 في الألف.
الرقم المتعلق بالأطفال اليهود، الذين يبقى وضعهم أفضل، يتراوح ما بين 93 و115 في الألف. لا يمكن أن يعتبر هذا الرقم مضبوطا، بطبيعة الحال، لكنه يبين أن الرقم المتمثل في 283،6 أو 386 مرتفع جدا!
بالإضافة إلى هذا، فإن معدل الوفيات في صفوف الرضع المغاربة يرجع بدرجة كبيرة إلى الالتزام بالطرق البدائية المحلية خلال عملية الولادة.
القول إن الظروف في المغرب هي الأسوأ في العالم مستبعد بسهولة من خلال الملاحظة العادية.
في أوساط الوطنيين فوجئتُ وأنا أجد أن مصر تُعتبر البلد المسلم الذي يقدم نموذجا لبقية الدول المسلمة الأخرى، منذ أن أصبح لديها التحكم الكلي في شؤونها الداخلية.
خلال رحلتي في المغرب، نشرت بعثة لمؤسسة «روكفيلر» للأبحاث الطبية تقريرا تجنبت الصحافة القومية المغربية الإشارة إليه.
هذا التقرير كشف، من خلال فحص شمل مختلف الفئات، أن 92 بالمئة من المصريين أصيبوا بمرض «البلهارسيا» أو الإسهال الحاد، و64 بالمئة أصيبوا بالديدان المعوية و6 بالمئة أصيبوا بمرض «السيفيليس».
ستة بالمئة أصيبوا بالعمى أو يعانون من أمراض العيون والبكتريا المُعدية التي تصيب العين وتسبب الالتهاب.
بينما 12 بالمئة من العائلات كانت تعيش على تقسيم قطع الخبز في ما بينها، إلى جانب الجبن مع الحليب الخالي من الدسم.
أكثر من نصف هؤلاء كانوا يتوفرون على الخضر الطازجة مرة واحدة فقط في الأسبوع.
في أحد المراكز كان طبيب واحد فقط يحاول، لوحده، علاج 27 ألف مريض.