شوف تشوف

الرأيالرئيسية

رفع تكلفة الغزو

 

 

عبد الرحمن الراشد

 

هذه أخطر أزمة في تاريخ العالم منذ الحرب العالمية الثانية، أكثر من أزمة الصواريخ الكوبية، ومن فوضى انهيار الاتحاد السوفياتي، ومن حروب الشرق الأوسط وغيرها، هذه حروب تقرر مصير البشرية، وليس مجرد حدود الدول ومصالحها.

روسيا ستستولي على أوكرانيا، إن لم يحدث هذا الليلة فإن المسألة مجرد وقت، حتما ما لم تحدث معجزة خارج الحسابات. وهذه الحتمية لن تمنعها المقاومة الأوكرانية، ما دام الأوكرانيون يقاتلون وحدهم، حيث لن يجرؤ الناتو على الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا النووية. أما الضغوط الغربية الهائلة، دبلوماسية واقتصادية وعسكرية، فهدفها، أولا، رفع تكلفة قرار الغزو على روسيا فلا تكون الغنيمة رخيصة، حتى تجعلها تفكر مرتين قبل أن تنتقل إلى هدفها الثاني، إن كانت لها أجندة توسعية خفية. والثاني، إنهاك روسيا اقتصاديا وتقنيا، وعزلها سياسيا، حيث يأمل الغرب دفع الكرملين إلى التراجع مستقبلا، أو دفعه إلى الانهيار خلال سنوات، لتحقيق الأمن الأوروبي.

أوكرانيا بعد أن تنتهي في يد موسكو خلال زمن قصير، هل بمقدور روسيا، في المرحلة الثانية من الأزمة التي قد تدوم لسنوات، تحمل النتائج لاحقا؟ من الصعب احتسابه اليوم لغموض وتعدد الاحتمالات المستقبلية، من بينها توازن القوى، أو حتى الصراع مع الصين، وتحين عندها الحاجة، إما إلى تحييد روسيا وكسبها حليفا، أو التصالح مع الصينيين.

نحن نشهد تاريخا مختلفا ومستقبلا غامضا، حيث لا أحد يزعم أنه يعرف كيف سيقرر الكرملين، في حال حوصر في الزاوية، السؤال النووي يؤرق العالم منذ نحو سبعين عاما، ولم يصل إلى مرحلة اتخاذ قرار بشأن استخدامه، إنه كابوس خطير، ولا أحد يرغب في الوصول إلى هذه النقطة.

الذين يمضون وقتا طويلا في انتقاد «ازدواجية المعايير»، ربما يحتاجون النظر إليها بطريقة مختلفة. باختصار شديد، القاعدة هي: في الحروب تسقط المعايير. وحتى في الحروب الأصغر، عاقب الغرب عراق صدام وإيران، بحرمان هذه الأنظمة من الطيران والمعلومات والإعلام والأسواق والرياضة والفنون.

ليس صعبا أن نلحظ حالة الفزع التي تعيشها أوروبا، والغرب عموما، فهذه أول حرب مباشرة، منذ الحرب العالمية الثانية. وفي الحروب تتصارع الدول على الموارد، مثل النفط والغاز والقمح، وتعتبرها سلاحا أساسيا في المعركة، وكل هذه الثلاثة مرهونة في حرب أوكرانيا، يدفع ثمنها العالم مهما بعدت المسافة عن الحرب وعن كييف. فنحن، مثلا، رابحون، ربما، مع ارتفاع سعر البترول، لكننا ندفع الثمن غاليا في مشترياتنا من القمح، بل وكل السلع المستوردة. ارتفاع سعر البترول سبق أزمة أوكرانيا، نتيجة لنهاية أزمة «كورونا»، وعودة التعافي إلى الأسواق العالمية، وأكمل السعر ماراثونه مع الحرب والخوف الذي عم الأسواق.

أزمة اليوم ذات أبعاد تتجاوز حدود أوكرانيا، والهدف ليس إنقاذها، بل وقف التدهور على مستوى العالم. المحظوظ هو الذي ليس مضطرا أن يأخذ موقفا في الأزمة، وربما لا يوجد محظوظ محايد، بما فيهم سويسرا التي تبنت عقوبات على روسيا. ففي التصويت في الجمعية العمومية على قرار إدانة الاجتياح لأوكرانيا، كانت واشنطن تراقب مثل النسر، من لن يصوت معها، وبعدها أعلن الجانب الروسي أنه يرصد مواقف الدول في الأزمة ولن ينسى. ويزداد انقسام العالم إيلاما، على حد السكين، حيث تتقلص مساحة المناورة، معلنا نهاية مرحلة سلام ما بعد الحرب الباردة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى