شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

رفض اعتزال التحكيم وتصدى لتهديدات والد الدليمي رغم انتمائه لسلك الشرطة

حكايات قضاة الملاعب:محمد باحو (حكم دولي)

حسن البصري:

الرجل الذي يرفض التقاعد

في 24 مارس سنة 2019، فقدت الساحة الرياضية المغربية محمد باحو، أحد أبرز الحكام الدوليين المغاربة، عن سن يناهز 82 سنة، وذلك بعد صراع مرير مع المرض.

ويعتبر محمد باحو من أبرز الحكام الدوليين المغاربة الذين شرفوا التحكيم المغربي في المحافل الدولية خلال الفترة الممتدة ما بين السبعينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وحين اعتزل الصافرة، أسندت له مهام عديدة في هيئات رياضية وطنية وقارية.

يعد الحكم الدولي المغربي محمد باحو من رواد التحكيم المغربي والإفريقي، جال عبر العديد من الأقطار وقاد مباريات كثيرة، قبل أن يتفرغ للتأطير والمواكبة لعدد من الحكام الشباب داخل المغرب وخارجه.

وعمل مندوبا ومراقبا للحكام لدى الكونفدرالية الإفريقية والاتحاد الدولي والاتحاد العربي ومنسقا عاما ومسؤولا عن أمن المباريات لدى «الكاف».

قضى الرجل عشر سنوات في الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم خلال فترة عيسى حياتو، واشتغل في لجنة التحكيم بجدية بالرغم من عامل السن، واعتبر مهندس مديرية التحكيم المغربية حيث كان يشتغل 18 ساعة في اليوم بشهادة رجال المرحلة.

له فضل كبير على حكام فاس، حيث تعهد بالحكم الدولي بلقولة في بداية مساره، وساهم في تقوية التحكيم الفاسي الذي أنجب خيرة حكام الكرة المغربية كالسطالي وبلفتوح وجقاوة وشقيقه حميد باحو ما تلاهم من جيل طموح مكون من المعزوزي وبلوط والموجه واللائحة طويلة.

كان رجل المهمات الصعبة، وأدى ثمن نضال على حساب صحته، بل إنه كان لا يعير اهتماما للمجهود الذي يبذله ولا يهتم بوجباته الغذائية، إلى أن تدهورت وضعيته من شدة الإرهاق والضغط الذي تطلبته مهامه.

كان مهندس اللجنة المركزية للتحكيم مع المكتب الجامعي الذي ترأسه الراحل الكولونيل ماجور الحسين الزموري، كما اشتغل عضوا باللجنة المركزية في عدة فترات مع رؤساء تعاقبوا على هذه المؤسسة من أمثال، محمد بنعلي من 1986 إلى 1988، وسعيد بنمنصور من 1988 إلى 1992، وأحمد العموري 1993، وترأس اللجنة بعد ذلك سنة 1994 واستمر عضوا مع مولاي عبد الله لمدغري من 1996 إلى 2000، ومحمد الشعبي من 2001 إلى 2009، وأحمد غيبي من 2009 إلى 2013، ثم محمد الكزاز ويحيى حدقة وبقي مرتبطا بتدبير قطاع التحكيم تحت إشراف جامعة كرة القدم ومساهما في تنظيم عدة أحداث رياضية دولية.

في 1984 شارك باحو في أول كأس إفريقية بالكوت ديفوار، وقدم مردودا طيبا ليقضي عشر سنوات كاملة في تدبير القطاع التحكيمي، وهو الحكم المغربي الدولي الوحيد الذي أسندت إليه مسؤولية التدبير الأمني في ملاعب كرة القدم خلال منافسات عربية وإفريقية ودولية، وقد أشرف بتكليف من الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» على تنظيم ثلاث مباريات تاريخية جمعت منتخبي مصر والجزائر في مسار التصفيات المؤهلة لكأس العالم، وثلاث مباريات قوية تابعتها جماهير مصر والجزائر وشهدت أحداثا غير مسبوقة، الأولى في 7 يونيو 2009 وأسفرت عن فوز منتخب الجزائر 3 – 1 والثانية في مصر يوم 14 نونبر 2009 وانتصر فيها المصريون بـ 2 – 0، مما فرض مباراة ثالثة اختار المنظمون إقامتها في ملعب أم درمان بالسودان في 18 من نفس الشهر، انتصر فيها منتخب الجزائر وتأهل إلى المونديال. وهي المباراة التي انتهت بأزمة دبلوماسية بين مصر والجزائر.

 

يوم هدده الدليمي بالتنقيل إلى العيون

عاش حكام الكرة القدامى محنة حقيقية وهم يقودون مباريات في مدينة سيدي قاسم، فقد كان لحسن الدليمي يقتحم الملعب ليحتج على قرار صادر عن حكم يعد الدقائق للتخلص من وجع مباراة، ظل السطالي والناجدي والرافعي والزياني وغيرهم، يعانون من الأرق كلما توصلوا بتعيين لقيادة مباراة طرفها الاتحاد القاسمي، كانوا يحتفظون في ذاكرتهم بحكايات القلق الذي لازمهم كلما قادتهم الأقدار إلى سيدي قاسم. كان الدليمي يوفر الحماية الكافية للاعبيه، فيشفع لهم انفلاتهم وخروجهم عن سكة الكرة، حين يتطلب الأمر ذلك، وكان الفريق في مأمن ضد عاديات الزمن، بل إن الرئيس لا يجد إحراجا في اقتحام أرضية الملعب ومساءلة حكم عن سر قرار انضباطي.

يذكر المجتمع التحكيمي المغربي حكاية مباراة جمعت الرجاء البيضاوي بالاتحاد القاسمي سنة 1980، حيث تلقى باحو تهديدا مباشرا من لحسن والد أحمد الدليمي، خاصة وأن هزيمة الفريق القاسمي كانت ستعصف به إلى القسم الثاني، لكن الحكم خاض المباراة بجرأة عالية وأعلن هدفا لفائدة الرجاء احتج عليه القاسميون دون أن ينصت باحو لكلامهم، بل إنه منح ضربة جزاء للرجاء إلا أنها ضاعت.

في نهاية المباراة توعد لحسن بإرسال الحكم إلى الصحراء، في تعيين تأديبي بحكم أن باحو كان موظفا في سلك الأمن الوطني. لكن تدخلا من القصر أعاد الأمور إلى نصابها، بل إن أحمد الدليمي الذي شكل فزاعة حقيقية لحكام مباريات الاتحاد القاسمي سيموت بعد سنتين عن هذه الواقعة، بينما تألق باحو بشكل لافت رفقة الزياني وبنجلون وبلفقيه وجوهري والمديني وجقاوة والعباسي ولاراش وبناني والناصيري وأبو القاسم والأخوان الرافعي والناجيدي وغيرهم.

قاد محمد باحو عدة مباريات مميزة من بينها نهائيتي كأس العرش 1977 بين فريقي الدفاع الحسني والرجاء و1985 بين فريقي الجيش الملكي والدفاع الحسني الجديدي إضافة إلى لقاءات دولية في إفريقيا والوطن العربي، كما عاش تجربة احتراف التحكيم بالإمارات العربية رفقة رفيق دربه الحكم الدولي عبد العالي الناصيري.

ومن المباريات المثيرة التي قادها باحو، مباراة كلاسيكو جمعت النادي المكناسي بالمغرب الفاسي، رغم أنه ظل يتفادى قيادة مباريات فريق المغرب الفاسي لانتمائه لمدينة فاس. إلا أنه تمكن بحنكة عالية من سل الشعرة من العجين دون مواجع لتنتهي المباراة بلا غالب ولا مغلوب.

 

الوصية الأخيرة للحكم باحو

على الرغم من الآلام التي كان يشعر بها والوهن الذي تسلل إلى جسده، إلا أن الحكم الدولي المغربي السابق محمد باحو، ظل يطوي المسافات بين فاس وسلا بشكل يومي للقيام بمهمته كمسؤول عن إدارة التحكيم المغربي. بعض المقربين منه نصحوه بالمغادرة الطوعية واستكمال ما تبقى من عمره في استراحة تقطع مع «صداع الرأس» اليومي الذي يفرزه قطاع التحكيم، لكن باحو لا يجد راحته النفسية إلا مع قضاة الملاعب.

وعلى الرغم أيضا من تقاعده الوظيفي من الإدارة العامة للأمن الوطني برتبة عالية في سلم الشرطة، إلا أنه ظل يعتبر قطاع كرة القدم قطاعا لا يقبل التقاعد، بل كان يبتلع آلامه ويخفي أحزانه حبا في خدمة الكرة المغربية.

لكن أمام هذا الإصرار على علاج الهوان بالعمل، فإن الداء سرعان ما أعلن العناد وأوقف تنقلات الحكم الدولي السابق بين مقر سكناه في فاس ومقر مديرية التحكيم، فاستسلم للمرض ولازم الفراش وأضحى جزءا من ماضي التحكيم المغربي، يقضي يومه في العلاج دون أن ينسى الحديث عن التحكيم وشجونه.

قضى الرجل فترة أسير فراش مرض لم ينفع معه دواء، فأعلن مكرها طي صفحة الكرة، وأصبح ملازما لكتاب الله يتلوه في سره وعلانيته، وحين يزوره رفاق دربه في مجال التحكيم خاصة الحكام الذين تتلمذوا على يده ينسى وضعه الصحي ويتحول إلى محاضر في مجال التحكيم يقدم النصح ويستشهد ببعض المباريات التي خاضها كحكم ويوصي قضاة الملاعب بعدم حرق المراحل أو استعجال الوصول إلى النجومية، كما أوصى الحكام بتفادي قيادة مباريات يكون فيها فريق مدينتهم طرفا.

في آخر لقاءاته مع قضاة الملاعب، كان يردد: «علينا أن نلتمس العذر من زوجاتنا وأبنائنا وأفراد أسرنا، فهم محرمون منا في طلة نهاية الأسبوع حيث نكون منشغلين بتحكيم المباريات»، وظل يوصي الجيل الحالي من الحكام بالجدية والمثابرة والقراءة، ويقول: «إن الحكم الناجح هو الذي لا ينتبه الجمهور لوجوده».

قبل رحيله أرسلته مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، وكان حريصا على الدعاء لزملائه الحكام بالصحة والعافية.

أسلم الرجل الروح إلى بارئها في بيته بعد صراع مرير مع المرض، يوم أحد، فارق الحياة عن سن 82 سنة نذر خلالها مساحة كبيرة من حياته تناهز نصف القرن خدمة لكرة القدم ومجال التحكيم. ويعد من جيل الرواد، بل إن شقيقه حميد باحو الذي ولد سنة 1958 لم يتمكن من مسايرة قطار التحكيم بعد أن عاش في ظل أخيه الأكبر، رغم أنه كان من نجوم ديربي الدار البيضاء وحمل الشارة الدولية سنة 1996.

نعته أسرة الأمن وأسرة التحكيم واعتبرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والكونفدرالية رحيله خسارة للكرة.

 

الحكم الدولي باحو في سطور

ولد الحكم محمد باحو سنة 1937 في مدينة ميدلت

بدأ مشواره التحكيمي سنة 1975

توقف عن إدارة المباريات سنة 1990

رئيس اللجنة المركزية للتحكيم التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم

تم توشيحه بوسام الاستحقاق الرياضي سنة 1990 ووسام الرضا سنة 1997.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى