رسالة للناخب
تترقب بلدنا اليوم فرصة جديدة لتعزيز نموذجها السياسي والدستوري الضارب في عمق التاريخ، فمع إشراقة شمس الأربعاء سيتقاطر الناخبون المغاربة على مكاتب الاقتراع، لاختيار ممثليهم في البرلمان والمجالس الترابية في جو من الحرية والاستقرار عز نظيره في دول الجوار التي اختارت الطرق الخشنة والسلطوية في تدبير مشهدها الانتخابي. لكن، قبل أن تطأ قدم الناخب الغرف المعزولة للإدلاء بصوته الانتخابي، لا بد أن يدرك أنه يساهم في وضع لبنة لبناء مغرب قوي بمؤسساته في مواجهة المخاطر والتحديات، لا بد أن يستوعب أن صوته قد يحسم مصير الأجيال المقبلة. لذلك لا نريد من هذه الانتخابات أن تتحول إلى فرصة الأخرى لضياع المؤسسات والتعليم والصحة والشغل والتنمية ثم نعود جميعا فنبكي على اللبن المسكوب في الأرض يوم لا ينفع البكاء.
غدا نحن مسؤولون بأصواتنا عن هدم أبراج الأوهام والأكاذيب وزراعة أرض الانتخابات ببذور الوعود المزيفة، ينبغي على المواطن وهو يلج المعزل أن يستحضر ميزان المكاسب والخسائر من التجربة المنتهية ولايتها، وأن يمنح صوته للبرنامج الانتخابي المناسب الذي يقدم أفكارا وحلولا واقعية للظرفية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر منها المغرب بعيدا عن البرامج الشعبَوية والخطابات الأخلاقوية التي دغدغت مشاعره خلال العقد الأخير دون أن يكون لها أي أثر يذكر على مائدته وجيبه ومستشفياته ومدارسه، فلا نبن مرة أخرى مستقبل الوطن على شفا جرف هارٍ فينهار بنا في مجاهل التراجع والمجهول.
إن أبراج الطموحات المعلقة على استحقاق اليوم مبنية على حجم المشاركة الانتخابية، فأي سيناريو للعزوف عن الذهاب للتصويت تحت أي مبرر كان، هو رسالة سياسية سلبية لتكريس الواقع القائم منذ عشر سنوات، وهو شيك انتخابي على بياض للإبقاء على التوازنات الحالية ومباركة السياسات العمومية التي اتخذت خلال الولايتين السابقتين، وبطبيعة الحال فإن هذا الاستنكاف الانتخابي إذا تحقق لن يخدم سوى حزب يقتنص السلطة ويحوز الشرعية الشعبية بالحد الأدنى من الأصوات.
ليس هناك من نصيحة للناخبين سوى مقطع من خطاب جلالة الملك قال فيه «عليكم أن تعرفوا أن الانتخاب يعطيكم سلطة القرار في اختيار من يمثلكم. فعليكم أن تحكموا ضمائركم وأن تحسنوا الاختيار. لأنه لن يكون من حقكم غدا، أن تشتكوا من سوء التدبير، أو من ضعف الخدمات التي تقدم لكم». وإذا ما تم التقاط هذا التوجيه الملكي والعمل به من طرف الناخبين فسوف يكون كفيلا بإعادة الروح لهذه العملية الأهم في مسار بناء المغرب لنموذجه الاستثنائي.