شوف تشوف

الرأي

رسالة إلى العالم حول تبذير المياه

عبد الرزاق الحجوي

لا نعلم كم يفصلنا عن أزمة العطش، أزمة وما أدراك ما هي من أزمة، فبعض الدراسات تتنبأ باستحالة الحياة في شمال إفريقيا بعد ثلاثة عقود، وهذا الموعد مرتبط بمدى سرعة الانهيار المناخي وبسرعات التبذير اليومي في مختلف استعمالاتنا للماء، منذ غسل الوجه صباحا إلى ساعة النوم؛ فقد استأنسنا أخذ كل حاجياتنا من الصنبور دون الانتباه إلى الحجم المستهلك، ولا إلى الممكن اقتصاده بدون أن ينقص من غرضنا شيء.
فالحديث سيكون عن الممكن داخل النمط العصري لا أكثر، وعما هو متاح فعله للجميع، بشرط أن نتلقى صفعة دورية لنستيقظ من غفلتنا، بحيث سنكتشف جميعا أنه يمكننا اقتصاد نسب مهمة من حجم الاستهلاك الحالي فقط بالتعلم من تجربة جد بسيطة، وهي استعمال الماء دون صنبور يوما واحدا في الأسبوع، أو يومين متتابعين مرة في الشهر، أو ثلاثة أيام متتابعة مرة كل فصل. لأن التجريب العملي للأسلوب التقليدي لاستهلاك الماء، سينبهنا إلى كمية الهدر الكبير والمتواصل الذي يميز الوسائل العصرية لاستعمال هذه المادة الحيوية. ففي الوقت الذي يكفي نصف لتر بالغرف لغسل الوجه صباحا، نطلق الصنبور منذ بداية الغسل إلى نهايته، ولا نعرض كفنا إلا عُشر أو خُمس وقت انسكاب الماء من الصنبور، لنضيع أضعاف الكمية المستعملة فعليا لأجل غسل الوجه، والذي ليس سوى مثال تقاس عليه باقي استعمالات الماء الروتينية، مع أن الحل جد بسيط لمن لا يريد التعود على الغرف فما عليه سوى نقص سرعة تدفق الصنبور فقط، وما أيسر ذلك. كذلك غسل الخضروات والفواكه التي منها ما يغسل بالكمية نفسها لسقيها في الضيعة أو أكثر، وليت الأمر يقف هنا إذ تكلف طريقة غسل الأواني بالصنبور العادي مياها أكثر من اللازم بعد كل وجبة، علما بأن مضاعفة فاعلية صنبور المطبخ لا تحتاج سوى إلى دش من البلاستيك ما زال استعماله اختياريا بالبيوت والمطاعم، في حين أن المصلحة تقتضي أن يعمم هذا الاستعمال على الجميع، فزيادة على بخس سعره، فإنه يوفر الكثير من الماء. فإن كان العالم يعلم بالمصيبة ويوقن بها فماذا ينتظر لفعل ما هو مستطاع للجميع، من أجل تفادي جزء منها ودفع تداعياتها عن الإنسانية؟ فالذي يقتصد في استهلاك جل إمكانياته المادية طول عمره كي يورث بيتا أو أموالا لذريته، عليه أن يترك لهم أيضا جميع ما يستطيع توفيره من الماء، وإلا فما حاجتهم إلى الماديات بعدما يهدر نصيبهم من الماء؟
إنني لا أستسيغ إلى اليوم ومع كل هذا التقدم التكنولوجي كيف أننا لا نزال نصرف لترا واحدا من البول في المرحاض بثلاثة لترات من الماء الصالح للشرب! فبعض المراحيض تتوفر على خيارين إما ثلاثة أو خمسة لترات، وبعضها لا يتوفر سوى على زر واحد يصرف خمسة لترات عند كل كبسة! هذا الصنف يجب على الأقل منع تصنيعه وتسويقه، فإن لم نستطع خفض الثلاثة لترات، فعلى الأقل يجب ألا نترك الناس تصرف لترا من البول بخمسة لترات من الماء الصالح للشرب!
أتمنى أن أكون مخطئا في كون لغة المؤتمرات العالمية بخصوص هذه القضية لم تلامس مثل هذه التفاصيل البسيطة، وإلا فكيف انطلقت نواقيس الخطر في التنبيه منذ نصف قرن، دون أن يتغير شيء في نمط استهلاك المياه داخل البيت كالذي تغير خارجه بفعل جهود هذه المؤتمرات والمنظمات الدولية، حيث تطورت أساليب الري الفلاحية وتطورت تقنيات تحلية مياه البحر، مما أعطى نتائج جد مهمة دون شك، لكن الاستعمال المنزلي للماء ظل دون تغيير، فغسل الخضر في المطبخ وغسل الأواني يستهلك ضعف كمية إنتاجها أو أكثر، وقد تبين بأن خفض هذا الاستهلاك ممكن، بجعل الناس يتعلمون طرقا جديدة من غير فتح الصنبور بانسيابية تفوق عدة أضعاف الانسابية الأساسية التي تتطلبها كل عملية، وكل صنف من الاستعمال اليومي.
إن الأمر يقف على العلاج بالصدمة الخفيفة والمتعمدة، لعل البشرية تنجح في تفادي الصدمة القاصمة، هذه الصدمة ممكنة لجميع المجتمعات حتى التي لا تعاني من الخصاص أو الجفاف حاليا، لأن التحدي هو كوني في النهاية، هذه الصدمة من الأفضل أن تكون دورية وبأن يكون وقتها كاف لاستيعاب الدرس من طرف العموم، فأفضل الخيارات بين التي سبق ذكرها هو خيار قطع متعمد للمياه ثلاثة أيام كل فصل يعلن عنه مسبقا، حتى يتخذ الجميع احتياطه بتخزين بضعة براميل من الماء، وليتكلف المجتمع المدني بمساعدة أصحاب الحالات الخاصة كالمرضى والعجزة، ولنترك التقييم لما بعد التجربة والتطبيق أربع مرات كل سنة.
بقي اقتراحان اثنان كنت قد تمنيت مد المؤتمر الحادي والعشرين للمناخ بمراكش بهما، فقد كانت كل هذه المقترحات جاهزة للعرض، لكن الوسيلة لم تتوفر لاغتنام تلك الفرصة لإسماع المسؤولين بها. الاقتراح الأول وهو اتخاذ قرار عام بافتتاح كل سنة دراسية بدرس تطبيقي عن كيفية ترشيد استعمال الماء بالنسبة إلى مستويات التعليم الأساسي، ودرس نظري حول قضايا المناخ في بعدها الكوني بالنسبة إلى مستويات التعليم الثانوي؛ درس واحد في السنة سيرفع من وعي الأجيال الصاعدة بهذه القضية، لحثها على بذل كل مستطاع من أجل كسبها، وذلك لتميز هذا اليوم في نفسية التلميذ، ولسهولة بث الرسالة الذهنية خلاله. أما الاقتراح الثاني فيخص الدول الساحلية، والتي عليها فرض استعمال مياه البحر بدل المياه المعالجة لملء المسابح الخاصة والسياحية، مع فرض توفير خدمة شحن مياه البحر عبر شاحنات الصهريج على شركات ومكاتب توزيع الماء.
فكيف نحتفظ بالسير بالسرعة نفسها نحو الهاوية، رغم وجود عدة كوابح يسيرة لم نتفق بعد على استعمالها؟ وكيف يستمر بعد كل هذه المؤتمرات عن خفض حرارة الأرض، – كيف يستمر استعمال المصابيح العادية للإنارة العمومية في جل دول الجنوب؟ فهذا الكوكب الفريد يستحق منا بدل استنزافه أن نحافظ عليه، ولو بإجراء جد بسيط: بالخفض الإرادي لصبيب الصنبور، لأجل ضبط وملاءمة الاستهلاك في حدود الحاجة بدون تهور ولا ظلم للأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى