شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

رسائل بوتين للغرب

 

 

خالد فتحي

 

حبس ملايين الغربيين أنفاسهم، وهم يتابعون المقابلة التي أجراها نجم الإعلام الأمريكي المثير للجدل تاكر كارلسون مع القيصر بوتين.

المشاهدات التي فاقت 100 مليون مشاهدة على منصة «إكس»، في أقل من يومين، أشرت في الحقيقة على تشوف الرأي العام الأوروبي والأمريكي لسماع السردية الروسية من مصدرها، مما لا يسير جنبا لجنب مع امتعاض وسائل الإعلام ومراكز القرار الغربية من توقيت وأهداف اللقاء.

في الغرب، يطغى شعور بأن الحكومات لا تقول الحقيقة بخصوص الصراع الروسي الأوكراني، إذ هناك توجس شعبي بأن الناتو خسر الحرب التي كلفت دافعي الضرائب ثمنا باهظا من رفاهيتهم ورخائهم.

بوتين تحدث لساعتين، محاولا أن يروي غليل الغربيين لتفاصيل ما يحدث ولماذا حدث، ولذلك بعث رسائل في كل الاتجاهات، سعيا إلى التأثير على المعنويات النفسية للخصوم.

استغل بوتين في أجوبته معطيات يقدر أنها تلعب لصالحه: هو يعلم أن جزءا من النخبة الغربية قد عيل صبره، وأخذ ينتفض، بل ويتفق معه حول أن قادة أوروبا يعانون من التبعية العمياء للولايات المتحدة الأمريكية.. وقد أبانوا بما فيه الكفاية عن سوء تقدير استراتيجي بتوهمهم هزيمة موسكو.

أعتقد أن بوتين في حواره قرأ جيدا هذا التحول الفكري، لكنه أظهر أيضا استيعابه للوضع السجالي الذي تخلقه الانتخابات الرئاسية بأمريكا، ولحالة التذمر بأوروبا جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية.. ولذلك قرر أن يخرج الآن، ويمد يد العون إلى صديقه ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، لعل ذلك يقلب الموازين بأمريكا، ويؤدي إلى وقف الحرب.

وحين قال إن السياسة العامة لأمريكا لا تتغير بتغير الرؤساء، فقد كان فقط يذر الرماد في العيون.

ولما اختار كذلك أن يوجه الرأي العام الأمريكي نحو نبذ خيار الاستمرار في الحرب، من خلال مرافعة قوية في التاريخ شرح فيها جذور الصراع بين الجارتين روسيا وأوكرانيا، عائدا إلى أبعد من ألف عام، فقد كان ينبه الأمريكيين إلى تورطهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كأنما يوحي لهم في المحصلة بانتخاب ترامب للخلاص.

بوتين فتح أيضا باب التفاوض على مصراعيه ومهد له بالسعي إلى إحداث شرخ بين الغربين الأوروبي والأمريكي، مستعينا على قادة الطرفين بشعوبهم، كأنه يريد دفع القادة الغربيين إلى سباق محموم بينهم أيهم يكون الأحذق، ويبادر إلى مصافحة اليد الروسية الممدودة.

شرح بوتين للأوروبيين أنه لا يشكل تهديدا لأوروبا، لن يستخدم سلاحا نوويا، ولن يجتاح باريس ولا برلين ما دام لا يفكر حتى في غزو بولونيا ولا لاتيفيا القريبتين منه، لأنه لا توجد له مشاكل معهما. عدد بوتين حيثيات كثيرة تؤيد خوضه للحرب، متهما الغرب بتأبيد الصراع مع روسيا، من خلال اعتماد العقوبات ضدها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ورفض انضمامه إلى الناتو، في وقت كانت الصين لا تنافس على صدارة العالم.

كما خطب ود هذا الغرب الذي توسع في اتجاه روسيا خمس مرات، ناكثا بكل وعوده! حتى أنه لم يقبله في الاتحاد الأوروبي تخوفا من روسيا القوية والكبيرة، وهو ما فوت إرساء سلم عالمي دائم.

لقد زاد إمعانا في إحراج الطبقة السياسية الأوروبية، قائلا إن روسيا مستعدة لتزويد أوروبا بالغاز، وإن ألمانيا هي من تحبذ الغاز الأمريكي الأغلى 4 مرات.

الحرب ستنتهي، والمشهد الدولي سيتغير، وروسيا صارت الأقوى اقتصاديا بعد أن عركتها الحرب وطورتها، وأوروبا هي الخاسرة، وأمريكا قد ينقلب موقفها رأسا على عقب بعد انتخاب ترامب. فإلى متى تستمر أوروبا، يومئ بوتين، في انقيادها لواشنطن؟

ترى كيف سيكون منظر زعمائها مستقبلا أمام شعوبهم، حين ستنهي أمريكا الحرب.. أليس الأجدى أن يكونوا مبادرين سباقين لا تابعين منبطحين؟

هذه هي الرسائل التي بثها بوتين، هادفا إلى خلخلة الإجماع الغربي من خلال وضعه بين مطرقة تضارب مصلحتي بروكسيل وواشنطن الجيواستراتيجية والاقتصادية، وسندان تذمر الشعوب وإحباطها، والتي ستنقلب لا محالة انتخابيا على حكوماتها الحالية.

واضح أن بوتين الذي عاصر عددا من الرؤساء الغربيين قد صار الأكثر تمرسا بالسياسة منهم جميعا، وأنه يبين عن خبرة وذكاء يفوقان ما لدى أقرانه الغربيين. وهذه مفارقة تسجل نقاطا للأنظمة المركزية «الاستبدادية» على من تطلق عن نفسها اسم الأنظمة «الديمقراطية». وهو ما يعطي نظرة عن ملامح النظام الدولي المقبل.

نافذة:

بوتين تحدث لساعتين محاولا أن يروي غليل الغربيين لتفاصيل ما يحدث ولماذا حدث ولذلك بعث رسائل في كل الاتجاهات سعيا إلى التأثير على المعنويات النفسية للخصوم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى