رسائل 2020 ودروسها
سامح راشد
لو سُئل شخص بسيط يعيش فوق أي بقعة من الكرة الأرضية عن رأيه في عام 2020، لما تردد في تأكيد أنها أسوأ سنين حياته كلها. ولا يختلف الأمر كثيرا في ما يتعلق بالدول والشركات وأصحاب الأعمال والرياضيين والفنانين والعاملين في السياحة والطيران والترفيه والنقل والخدمات اللوجستية. تقريبا، واجه كل سكان العالم أزمة طاحنة لا تقارن بأية أزمات سابقة، وتحملوا معاناة شديدة لاجتياز هذا العام الثقيل. ولكن اللافت هنا ليس فقط مدى سوء هذه الأوقات غير المسبوقة في تاريخ البشرية أو صعوبتها، فربما يحمل المستقبل أوقاتا أخرى أشد إيلاما وصعوبة. وإنما ما يستحق التوقف عنده واستيضاحه، مدى استيعاب العالم جوهر الرسالة المضمنة في الأحداث والوقائع التي حفل بها 2020، فالمدهش أن الشعوب والدول لا يبدو أنها قرأت ما بين السطور في انتشار وباء «كوفيد – 19»، ولم تصل إليها كاملة رسائل تلك الأزمة الكونية (كورونا) وتنبيهاتها، على الرغم من أنها صارت عنوان العام، وستظل كذلك في الأعوام المقبلة أيضا.
الدرس الأول من ميلودراما 2020 أن ثمة حتميات قدرية لا يمكن تحديها أو تطويعها لرغبات البشر وعقلياتهم، وسواء كان ذلك بفعل إرادة إلهية كما يرى المؤمنون، أو بإرادة الطبيعة والمصادفة وفقا للعدميين، على البشر التسليم بأن ثمة قوة فوقية، إمكاناتها أعلى وسطوتها أشد من قدرات سكان الكرة الأرضية وعقولهم وإمكاناتهم. وغني عن الإيضاح أن ذلك لا يعني استسلام الإنسان للطبيعة، والكف عن التطوير والبحث العلمي، لكن المطلوب هو عدم الاغترار بما وصلت إليه قدرات البشر، كما لو كان الإنسان قد حاز كل العلم، ووصل إلى منتهى المعرفة والقوة والتمكن من السيطرة على كل عناصر الكون.
ويترتب عن ذلك أمر واقع، يبدو أن الإنسان المعاصر قد تغافل عنه، وهو أن كل ما يملكه أو يستطيعه البشر قابل للتقلص والتبخر والأيلولة إلى لا شيء.. لا قدرات ولا إمكانات ولا جدوى ولا فعالية ولا تحصينات، ولا أي شيء. كل ما لدى البشر يمكن بسهولة أن ينتهي إلى الصفر، أو بالأدق إلى العدم. وبواسطة كائن لا يرى بالعين. ما يعني أن الأزمات والكوارث ليست بالضرورة مرتبطة بثقب الأوزون أو فيضانات هائلة وأعاصير ضخمة.
درس آخر لا يتعلق مباشرة بما شهده العالم من نكبة في 2020، وإنما بالطريقة التي تعاطى بها العالم مع تلك المأساة. إذ ثمة حدود للعقل البشري لا يمكن اختراقها، فالآليات التي اتبعتها كل الدول في الأسابيع الأولى لأزمة كورونا، جاءت تقليدية ومتشابهة، فركزت على التباعد والعزلة والإغلاق، وغير ذلك من حلول جوهرها الهروب من الخطر الفيروسي بالابتعاد عنه، لا بمواجهته. في حين لم يفكر أحد في أساليب أخرى طبيعية لمواجهته بأسلوب مختلف أو خلاق. مثلا، استخدام أعشاب أو أغذية طبيعية مقوية للمناعة البشرية. أو العمل على زيادة فعالية العقاقير الطبية الخاصة بالانسدادات الرئوية وأزمات الجهاز التنفسي.
واتصالا بكيفية التعاطي البشري مع الأزمة الكارثية، ثبت يقينا أن ثمة نوازع للنفس البشرية لا يمكن الانسلاخ عنها، مهما بلغ الإنسان من تقدم ورقي حضاري أو معرفي، فعند استشعار أن الخطر داهم، راحت الشعوب تتعامل بشكل فردي تماما. وغلب على الإجراءات المتبعة طابع الفزع والهلع والأنانية، على الرغم من أن الأزمة شاملة وعامة، ولم تستثن شعبا ولا دولة، فكان شعار التعامل والسياسات المتبعة «نفسي .. نفسي».
ولا يبدو أن العالم تعلم أيا من تلك الدروس، فعلى الرغم من اشتداد الموجة الثانية من كورونا، لا تزال الدول تطبق السياسات والإجراءات نفسها. بينما تحولت جهود التوصل إلى لقاح إلى عملية تنافسية، بل تجارية. وتتسابق الدول والشركات لترويج اللقاح وتسويقه ليدر عليها أرباحا لا لإنقاذ العالم.