منذ أن استجاب القضاء المغربي لنظيره الأمريكي وسلمه القرصان الإلكتروني الفرنسي المطلوب من طرف الأنتربول، رغم إلحاح السلطات الفرنسية على تسليمه إياها، كشرت الدولة العميقة بفرنسا عن أنيابها.
فالهاكر الفرنسي سيباستيان راوولت لم يكن قرصانا عاديا فهو مسؤول عن قرصنة بيانات 60 شركة عالمية، أغلبها أمريكية لديها فروع في إفريقيا، وينتمي إلى الشبكة الإجرامية المتخصصة في القرصنة المعلوماتية المعروفة باسم shiny Hunter.
هذا الصيد الثمين الذي ظل يستهدف الشركات الأمريكية لم يكن يشتغل بشكل عشوائي بل ضمن مخطط الحرب السيبرانية التي أصبحت الساحة الحالية لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة حول إفريقيا.
وإلى حدود اليوم تمت قرصنة حوالي 300.000 زبون من فرع البنك المغربي للتجارة الخارجية بمالي من طرف تنظيم قراصنة يطلقون على أنفسهم “ميدوزا”، كما تمت سرقة ملايين الوثائق الخاصة بالزبائن VIP ومؤسسات كبرى وشخصيات سياسية ديبلوماسية.
تأخذ الحرب الشاملة التي تخوضها فرنسا ضد المغرب عدة أوجه، وأكثر من تطولهم “الإشعاعات النووية” لهذه الحرب هم رجالات الدولة المغاربة الذين يسافرون هذه الأيام إلى باريس، ومنهم وزير الصناعة السابق حفيظ العلمي الذي، وعلى غير العادة، تم إخضاع طائرته الخاصة لتفتيش بشكل يوحي بأن زمن المعاملة التفضيلية التي نشأت وترعرعت منذ كان العلمي رئيسا للباطرونا وكانت نظيرته لورنونس باريسو رئيسة MEDEF الباطرونا الفرنسي، انتهى.
والشيء نفسه حدث لمهدي قطبي المحسوب على رجال فرنسا في المغرب منذ الزمن الشيراكي وإلى حدود الأمس، فرغم إدلاء قطبي لرجال الشرطة الفرنسية بالمطار بجواز سفره الفرنسي إلا أن ذلك لم يعفه من انتظار تصوير الجواز وإجراء بعض الأبحاث على الحاسوب، ما يكفي لكي يفهم قطبي، مدير متحف محمد السادس للفن الحديث، أن السلطات الفرنسية تتعامل معه كمغربي أولا وكحامل للجواز الفرنسي ثانيا.
وهذا التعامل من طرف شرطة المطارات الفرنسية يتكرر في كل مرة تكون فيها العلاقات الدبلوماسية بين باريس والرباط متوترة، والجميع يتذكر كيف تم تفتيش صلاح الدين مزوار في مطار فرنسي رغم إفصاحه عن كونه وزيرا في الحكومة وحاملا لجواز دبلوماسي.
والواقع أن المغرب لديه أيضا طريقته في “ردان الصرف”، وأحيانا “بالمثني والمثلث”.
فها هو جنرال فرنسي مسؤول عن التعاون العسكري والأمني الدولي يزور المغرب دون أن يحظى بأي استقبال رسمي، لا على مستوى وزارة إدارة الدفاع الوطني ولا على مستوى القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، ووحدها السفارة الفرنسية من نشرت الخبر.
في حين أن الجنرال دارمي مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة الأمريكية، الذي قام بزيارة عمل للمملكة على رأس وفد هام تم استقباله بحفاوة من طرف وزير الدفاع والمفتش العام للقوات المسلحة المغربية فاروق بلخير.
والحقيقة أن تصرفات البوليس الفرنسي في المطارات مع حملة الجواز الفرنسي من مسؤولينا الحاليين والسابقين هو درس لكل من يعتقدون أن فرنسا ستعتبرهم ذات يوم فرنسيين كاملي المواطنة. فهم بنظرها رجالها الوظيفيون الذين تسخرهم للدفاع عن مصالحها، وعندما يتم الإضرار بهذه المصالح فإنهم يصبحون مجرد “مغاربة” حاملين للجواز الفرنسي.