شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

رحم الله «المغربي»

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

 

«أثار افتتاح المدارس مشكلة التعليم بالمغرب، من جديد، بكيفية تدعو الحكومة إلى الإسراع بحلها المنتظر منذ أعوام بدون طائل ولا جدوى».

قد تعتقدون أن هذا الكلام تعليق لكاتب أو قارئ مغربي على صفحة ما، أو مقتطف من مقال كُتب هذه الأيام..، لكن الحقيقة أن الكلام أعلاه مقتطف من مقال مطول منشور في مجلة المغرب الشهرية المنقرضة، في عدد أكتوبر سنة 1933.

ونُشر المقال بعنوان: «مشكلة التعليم» في ركن المقالات التي تتوصل بها إدارة تحرير الجريدة، وتحمل توقيع «مغربي».

من سخرية الأقدار أن هذا «المغربي»، الذي لا بد أنه اليوم في دار الحق، وقّع مقاله مستعملا صفة يتقاسمها معه اليوم قرابة أربعين مليون مغربي آخرين، لازالوا يحملون الهمّ والغم نفسه ويتساءلون لماذا لم ينصلح حال التعليم؟!

المقال كُتب تفاعلا مع واقعة في إحدى المدارس الفرنسية في ذلك التاريخ. وكتب المغربي يقول: «.. ولعل بعض الناس ظنوا أن حملة الشباب على سدّ الليسيات وثورتهم المعقولة على الموظف الذي كان سببا في ذلك، يرمي إلى إدماج المدارس الأهلية الإسلامية في المدارس الفرنسية، ولكن ما أبعد الخلف بين هذا الظن والحقيقة».

السياق الذي كُتب فيه المقال كان مفخخا، وفقد الناس حياتهم في المظاهرات التي خرجت تُندد بالمقررات الدراسية التي كانت معتمدة في المدارس الفرنسية.

هناك أناس دخلوا السجون وحُكم عليهم بأحكام قاسية فقط لأنهم عارضوا أستاذا في مادة الجغرافيا واعتبروا أن المغرب ليس مقاطعة تابعة لفرنسا. لكن، بالمقابل، هناك اعتراف كبير بالدور الذي لعبته المدارس العصرية في فتح أعين المغاربة على العالم من حولهم. وهؤلاء هم الذين أسسوا النواة الأولى للحركة الوطنية، بل منهم من أكملوا تعليمهم العالي في جامعات فرنسا بفضل الشواهد التي حصلوا عليها في المغرب، ولعل أولهم على الإطلاق السياسي محمد بن الحسن الوزاني الذي استكمل دراسته الجامعية في باريس وعاد بدكتوراه في العلوم السياسية، ليصبح أول مغربي ينال هذه الدرجة العلمية.

نعود إلى المقال العجيب، ليواصل المغربي الذي نُعيد اليوم مقاله إلى الحياة: «فإن طلبنا فتح أبواب الليسيات للأهالي فإنما نُريد بذلك حرية التعليم أولا، وثانيا استغلال ما بين أيدينا ما دمنا لم نصل إلى الغاية التي نسعى إليها. أي تعليم عربي قومي يناسب بلادا مجدها في التاريخ عظيم وهو في التاريخ أعظم إن شاء الله».

أفضل ما يمكن أن يحدث لرجل كتب هذا قبل 91 سنة من اليوم، أن يكون رحل قبل أن يرى واقع التعليم المغربي اليوم.

عائلات تتسابق على المدارس الخاصة، بعد أن أصبحت المدرسة العمومية من مصطلحات النقص وقلة ذات اليد. وفي هذا السباق المحموم على المدارس الخاصة، تتنافس العائلات على تعليم الأبناء باللغة الفرنسية، واستيراد مقررات دراسية من الخارج وتعميق أزمة التعليم المغربية كل عام أكثر من الذي قبله.

السنة الماضية شُل الموسم الدراسي لأسابيع طويلة. بقي التلاميذ وعائلاتهم في عقدة الحبل، بينما واصلت الوزارة والنقابات لعبة جر الحبل إلى أن استقر الرأي في الأخير على عودة رجال التعليم إلى أقسامهم. حُل المشكل وبقي التعليم على الأرض!

مناظرات كثيرة تتبناها وزارة التعليم في الفترة الأخيرة، بينها مناظرات وطنية تعقد سنويا في مواعد قارة. تصرف لها ميزانيات لإطعام المشاركين القادمين من مختلف جهات المغرب وإيوائهم. تنتهي المناظرات والأيام الدراسية التي توزع فيها الحقائب السوداء والأقلام والمفكرات، ويعود المشاركون إلى مُدنهم، ليجلسوا إلى الكراسي نفسها في المدارس العمومية، وجُلهم يُخرجون الآلة الحاسبة ليطرحوا مصاريف تعليم الأولاد في المدرسة الخاصة -تماما مثل أغلب المواطنين المغاربة الآخرين الذين يعملون في قطاعات أخرى، وحتى الذين لا يعملون منهم- من الأجرة الشهرية، ثم يُحدقون مطولا في السقف!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى