شوف تشوف

الرأي

رحلة السلاح والتسلح الذري (2)

بقلم: خالص جلبي
النترون هو الملاط الجديد وهو مادة حيادية لا مصلحة لها بتنافر وتباغض وتحاسد أبناء المهنة الواحدة، وهي (النترونات) ذات الكتلة الحيادية. ومن المغزى الفلسفي أيضا أن هذه الكتلة الحيادية (النترون) هي سر التفجير النووي، كونها تدخل النواة فلا يعترضها أحد، سواء من الإلكترون السابح في السطح ذي الشحنة السلبية، أو البروتون الراقد في عمق النواة ذي الشحنة الموجبة، كما أنها هي التي تؤلف القلوب المتنافرة، فتشد النواة وتحافظ عليها، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. فذرة (اليورانيوم) ذات العدد الذري 238 احتاجت لتأليف قلوب 92 من البورتونات، بقرابة الضعف من النترونات، فحتى يمكن تأمين شيء من توازن الذرة أُضيف 146 من النترونات، وحتى مع كل هذا الملاط الماسك، فإن مرض التنافر مرعب، ولذا فإن ذرة اليورانيوم هي ذرة التفجير النووي، بسبب هذا المرض النفسي النووي لو صح التعبير، مرض التنافر العجيب الفظيع!
ومن خلال الفكرة التي طرحناها في التركيب الذري؛ فإننا نرى أن الذهب بين البلاتين والزئبق، فذرة الذهب تحوي 79 بروتونا، والزئبق 80، والبلاتين 78 بروتونا فقط، وزيادة بروتون أو نقصه، تدفع بالعنصر إلى خلق جديد، ومصير مختلف، وتكوين متباين، فسبحان الخلاق العليم المدبر المصور.
وتوصل الذكاء الإنساني بهذه الطريقة إلى كسر المسلمة القديمة بثبات العناصر وعدم إمكانية انقلاب المادة إلى مادة أخرى، فلا يمكن أن يتحول رصاص إلى ذهب أو نحاس الى فضة، كما حركت من عمق التاريخ والأسطورة قصة (الكيمياء) وتحويل العناصر الخسيسة إلى ثمينة، كما حَلُم بذلك سحرة ومشعوذو العالم القديم؛ فبإمكاننا نحن الآن وبفضل التقنية الذرية الجديدة، أن نحول الذهب إلى زئبق والزئبق إلى ذهب، من خلال إضافة أو نزع بروتون واحد، وقلب التوتياء إلى نحاس، بسحب بروتون واحد (التوتياء تحمل 30 بروتونا والنحاس 29)، أو قلب الحديد إلى مغنيسيوم بسحب بروتون واحد أيضا (الحديد 26 والمغنيسيوم 25)، أو حتى بالقفز بين النحاس والفضة والذهب؛ بإضافة كمية من البروتونات (النحاس 29 والفضة 49 والذهب 79) وهكذا.

مغزى تجارب التفجير النووي الفرنسي في جزر المورورو
سعت الحكومة الفرنسية إلى بناء جهاز ليزر عملاق بكلفة ملياري أورو وبارتفاع 60 مترا فوق أرض تصل إلى مساحة ملعبي كرة قدم، وبواسطة جهاز الليزر هذا سوف يتم تسليط 240 مدفع ليزر في نقطة مركزة واحدة، على مادة الديتريوم والتريتيوم المبرد للغاية في كبسولات بغاية النحافة في حدود مليمترات قليلة، وخلال أجزاء من المليون من الثانية (نانو) سوف يتم عصر نظائر الهيدروجين، بحيث إن درجة حرارة الكبسولة سوف تصل إلى 100 مليون درجة سنتغراد، وسوف تقود بالتالي إلى التحام نظائر الهيدروجين لتصل إلى مادة الهليوم، مع تدفق حرارة 400 مليون درجة (أقوى من باطن الشمس بـحوالي 27 مرة، باعتبار أن باطن فرن الشمس تتلظى فيه الحرارة بقوة 15 مليون درجة فقط!). ومن المتوقع أن هذه الآلة وصلت إلى أقصى طاقتها عام 2005 ميلادي، وتسعى فرنسا الآن إلى تحديث ترسانتها النووية المكونة من 500 رأس نووي، منها 385 محمولة في الغواصات على رؤوس عابرة للقارات من نوع (I C B M)، ومنها 115 رأسا مخزونا في الأرض على رأس 18 صاروخا عابرا للقارات، بمنطقة استراتيجية من الأرض الفرنسية هي مسطح (البيون).

هل توقفت أمريكا فعلا عن تطوير ترسانتها النووية؟
والآن نأتي إلى المجهول الجديد في معادلتنا، وهو إعلان الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف تجاربها النووية، وعدم تطوير المزيد من الترسانة النووية، خلافا لعقيدة البنتاغون التي كانت تقوم على نظم ثلاثي: (البحث العلمي ) بكل اندفاع وضراوة + (بناء النماذج الجديدة) من القنابل + (ارتجاج الأرض) بالزلزال النووي مجددا.
وبهذا الإيقاع (RHYTHM ) كان الديناصور النووي الأمريكي يتابع نشاطه بدون توقف، وخلال الخمسين سنة الفارطة طورت الولايات المتحدة الأمريكية عشرات النماذج من القنابل النووية، ومن كل فاكهة زوجان، بين قنابل (الميجاطن) العملاقة ذات التأثير التدميري الذي يصل إلى قوة عشرات الميجاطن (الميجاطن تعني قوة مليون طن من مادة «ن. ت. أي»، المعادلة بأقوى من قنبلة هيروشيما بحوالي 66 مرة!)، وهي المعروفة بالقنابل الاستراتيجية المحمولة على صواريخ عابرة للقارات، تصل إلى أي بقعة في الأرض في فترة أقصاها 20 دقيقة، تنطلق من منصات ثابتة في مخابئ عاتية تحت الأرض لا تؤثر فيها حتى الزلازل، بجدران من خرسانات إسمنتية مسلحة تصل حتى المائة متر، أو منصات متحركة في أسطول جوي يحوم حول الأرض لا يكف عن الحركة، أو غواصات تخترق أعماق المحيطات المظلمة، عميقة البعد، صعبة الاصطياد، تحمل في بطنها الخبيث كل سموم ما أنتجه العقل الإنساني من الشر النووي. أو بوارج حربية مرعبة، وحاملات طائرات مختلفة (تيكون ديروجا.. نيوجيرسي.. نيميتس) قد ربطت طائراتها على ظهرها مواد كنس المدن من خرائط الوجود، ومحو ملايين الناس من خارطة التاريخ، وبصواريخ منوعة (بين إكزوست إيه إم 39، أو النبي جبرائيل! أو البلطة توماهوك أو بيرشينغ أو إس إس 20).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى