شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

رئيس يلعبُ بالغاز

يونس جنوحي:

مقالات ذات صلة

 

يشاع في فرنسا حاليا أن الرئيس إيمانويل ماكرون سوف يُنهي فترته الرئاسية بيده، في إشارة إلى تصريحاته الأخيرة بشأن حل مشكل الطاقة، وتلميحه إلى إمكانية إجبار عمال واحدة من أهم مصافي النفط على فتح المستودعات، وإنهاء الإضراب الذي تشنه النقابات منذ أيام.

وحسب المحللة السياسية الفرنسية آن موتييه، فإن تصريحات الرئيس سوف تكلفه غاليا في المستقبل.

أزمة الطاقة تقض مضجع أكثر من رئيس في أوروبا، مع اقتراب موجة الشتاء التي سوف تكون باردة بكل تأكيد. لكن مشكلة فرنسا الآن أنها تبحث عن الحل في المكان الخطأ.

الأزمة الروسية جعلت العالم يراجع علاقته مع مصادر طاقة التدفئة. وحسب محللين، فإن الشتاء القادم سوف يكون الأبرد سياسيا، منذ الحرب العالمية الثانية.

الرئيس الفرنسي الذي صرح في آخر مقابلة تلفزيونية بأنه سوف يكون صارما في موضوع مراجعة رواتب العمال المضربين في قطاع الطاقة وتحدى المهنيين، أعطى دليلا على أن القصر الرئاسي ليس على ما يرام، وأن هناك ضغطا كبيرا لتدبير مشكل الطاقة، ولو أدى الأمر إلى إحراق جيوب المواطنين.

نتحدث هنا عن مخزون هائل جدا من الغاز الطبيعي تستهلكه فرنسا وحدها، لتأمين الدفء في ملايين المنازل والإدارات.

ألف الفرنسيون حل مشاكلهم لعقود في المستعمرات السابقة. والسياسيون في فرنسا لا يزالون يفكرون بالطريقة نفسها.

وهذه الطريقة القديمة تقوم على ضرورة تصريف الأزمات الاقتصادية نحو الدول، التي تمسك بها فرنسا بيد من حديد، مع البحث عن حل للمشاكل الداخلية في المستعمرات.

وهذه الجزئية اليوم هي سبب الجفاء بين الرباط وباريس، خصوصا وأن المغرب وقع اتفاقيات مهمة في مجال الطاقة النظيفة مع بريطانيا ودول أخرى، ولم تفز فرنسا بأي مورد.

عندما عاشت فرنسا أزمة الصناعة سنة 1968، وكان المغرب على رأس الدول التي أمّنت لفرنسا حاجياتها، بالإضافة إلى دول إفريقية أخرى تستغل مواردها بعقود مفتوحة. لكن عندما احتجت معارضة أغلب تلك الدول، سرعان ما شيطنتها فرنسا ومارست معها لعبة العصا والجزرة.

رغم دعم أغلبية الفرنسيين للإضرابات الأخيرة، حسب استطلاعات الرأي، إلا أن ماكرون اختار أن يُغضب منه الجميع، بمن فيهم أنصاره الذين صعدوا به بأمان إلى قصر الإليزيه. لكن عندما يتعلق الأمر بالمشاكل النقابية لآلاف العمال في قطاع يعيش أصعب فتراته على الإطلاق، فإن الفرنسيين مستعدون لقلب الطاولة في أية لحظة.

رئيسة الوزراء، إيليزابيث بورن، وعدت الفرنسيين بدورها بأن تلجأ إلى صلاحيات دستورية لتمرير قانون الميزانية بالطريقة التي يؤيدها أغلبهم، حتى لو امتنع البرلمان عن التصويت، شريطة أن يصوتوا عليها في الانتخابات المقبلة.

مسرحية هزلية تعيشها فرنسا هذه الأيام، بسبب مشكل الطاقة. والذين يعطوننا الدروس دائما، ويضربون المثل بفرنسا، آن الأوان لكي يستريحوا قليلا ويبحثوا عن وجهة أخرى، لكي يستوردوا منها النماذج التي يجب الاقتداء بها لتصريف الأزمات وحل المشاكل.

واحدة من كبريات الشركات الفرنسية قررت ألا تنتظر حل الحكومة، واختارت أن تجلس مع النقابات وتوقع معها اتفاقا حول زيادة الأجور، بدل التمادي في رفع سقف التحدي واختبار صبر المهنيين. يبدو أن البرد في النهاية هو عدو فرنسا الأول، وليس أي شيء آخر.

لقد دار الزمن دورته، وها نحن نرى كيف أن واحدة من أقوى دول أوروبا تحاول حل مشاكلها على طريقة الأنظمة العسكرية، التي تصل إلى القصور الرئاسية بالانقلابات، وليس بصناديق الاقتراع.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى