بدأ رؤساء المجالس الترابية يتساقطون تباعا، بعد صدور قرارات عزلهم من طرف القضاء الإداري، إثر تورطهم في اختلالات إدارية ومالية تتعلق بتدبير المجالس الجماعية منذ الانتخابات التي جرت قبل ثلاث سنوات، حيث أصدرت المحاكم الإدارية أحكاما قضائية تتعلق بعزل رؤساء العديد من الجماعات، فيما أحال وزير الداخلية ملفات أخرى على الوكيل القضائي للمملكة من أجل مباشرة مسطرة العزل في حق دفعة أخرى من الرؤساء، كما أحال وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، ملفات أخرى على رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، تتضمن اختلالات تكتسي طابعا جنائيا، ومن المنتظر إحالة هذه الملفات على محاكم جرائم الأموال لمتابعة رؤساء بتهم تتعلق بتبديد واختلاس أموال عمومية كما أحالت الوزارة بعض التقارير التي توصلت بها من طرف المجلس الأعلى للحسابات على أنظار المفتشية العامة للإدارة الترابية، وبعد مرور نصف الولاية الجماعية الحالية، أظهرت تقارير التفتيش أن جل الجماعات تعرف اختلالات مالية وإدارية خطيرة تستدعي إعادة النظر في النخب التي ترشحها الأحزاب السياسية لتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
محاربة فساد المنتخبين.. جهود حثيثة ونتائج متواضعة
دعت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في المغرب إلى ضرورة الانخراط في مرحلة جديدة لمكافحة الفساد، من أجل خلق دينامية مهمة في خدمة تنمية قوية وشاملة ومستدامة، في حين يسجل المغرب تراجعاً في مؤشر إدراك الفساد على الرغم من اعتماد المملكة توجهات لمكافحة تلك الظاهرة، حسب آخر تقرير للهيئة أشارت فيه إلى أن الدستور نص على آلية تشكيل لجان تقصي الحقائق، ومهمتها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو تدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية، وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها. ونص الدستور على ضمان استقلالية المجلس الأعلى للحسابات المكلف بمراقبة المالية العامة، عبر تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة إلى الدولة والأجهزة العامة.
وخصص باب كامل لمبدأ الحكامة الجيدة، إذ ينص الفصل 154 على أن المرافق العامة تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والفصل 158 على إلزامية تقديم تصريح بالممتلكات للأشخاص المنتخبين أو المُعينين، فيما ينص الفصل 159 على استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة. وأكد الدستور، كذلك، استقلالية مجلس المنافسة، المكلف بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق.
ونص الفصل 167 على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محدداً مهامها في «التنسيق والإشراف وضمان تتبع وتنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وقيم المواطنة المسؤولة».
وبعد أن اعتُمد نموذج تنموي جديد شهر ماي من سنة 2021، وهو ما اعتبره مختصون فرصة جديدة لمحاربة مظاهر الفساد، أشار رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بشير الراشدي، إلى أن المرحلة الجديدة في مكافحة الفساد يجب أن تقوم على مبدأ سيادة القانون، الذي يجعل من الشفافية والحكامة قواعد لا غنى عنها لتلبية الانتظارات المشروعة للمواطنين في إطار النموذج التنموي الجديد.
وسجل تقرير الهيئة وجود تراجع لمرتبة المملكة في مؤشرات عدة متعلقة بالحكامة، معتبراً أن الفساد ذو طابع نسقي ومزمن بالمغرب، وأن المواطن بشكل عام والمقاول والمستثمر الأجنبي لا يلمسون ترجمة فعلية للخطاب السياسي الذي يدين الفساد ويعد بمحاربته، وذلك على الرغم من القوانين التي تتم بلورتها أو الهيئات التي يتم إقرارها والالتزامات الدولية التي قطعها البلد على نفسه.
وأشار التقرير إلى أن «ذلك يرجع بالتأكيد إلى غياب إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد ببلادنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر انقضت الآن ما يزيد على خمس سنوات على تبني الحكومة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في المغرب، وكان من المفترض، بعد كل هذه المدة، أن نكون حققنا تقدماً ملموساً في تنزيل مقتضياتها وتفعيل نحو 200 مشروع وإجراء في إطار برامجها العشرة».
وأوضح التقرير أن تلك الاستراتيجية ما زالت بعيدة من التفعيل بسبب ضعف الانخراط العملي للوزراء والمسؤولين الكبار في الإدارات، ما عدا بعض الاستثناءات، بسبب شبه غياب لاجتماعات اللجنة الوطنية المخول لها متابعة الاستراتيجية، وعدم تجريم الإثراء غير المشروع، الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسة في تبذير المال العام. وأضاف التقرير أن هناك أيضاً غياباً لقانون يجرم حالات تضارب المصالح التي يتم رصدها بشكل يومي، سيما في الصفقات العمومية، إضافة إلى عدم توفير حماية فعالة للمبلغين عن الفساد.
استراتيجيات متنوعة ومؤشرات سلبية لمحاربة هدر المال العام
لقد نص دستور 2011 على آلية تشكيل لجان تقصي الحقائق، ومهمتها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو تدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية…، وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها، كما نص الدستور على ضمانة استقلالية المجلس الأعلى للحسابات المكلف بمراقبة المالية العامة، عبر تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة إلى الدولة والأجهزة العامة.
وخصص الدستور بابا كاملا لمبدأ الحكامة الجيدة، إذ ينص الفصل 154 على أن المرافق العامة تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والفصل 158 على إلزامية تقديم تصريح بالممتلكات للأشخاص المنتخبين أو المُعينين، فيما ينص الفصل 159 على استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة. وأكد الدستور كذلك استقلالية مجلس المنافسة، المكلف بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق.
ونص الفصل 167 على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محدداً مهامها في “التنسيق والإشراف وضمان تتبع وتنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وقيم المواطنة المسؤولة”.
ويعتبر إقرار نموذج تنموي جديد، حسب مختصين، فرصة جديدة لمحاربة مظاهر الفساد، إذ أشار رئيس “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، محمد بشير الراشدي، إلى أن المرحلة الجديدة في مكافحة الفساد يجب أن تقوم على مبدأ سيادة القانون، الذي يجعل من الشفافية والحكامة قواعد لا غنى عنها لتلبية الانتظارات المشروعة للمواطنين في إطار النموذج التنموي الجديد، وأن إصدار التقرير السنوي للهيئة يأتي في سياق استثنائي يتسم بوجود مجموعة من المؤشرات الإيجابية، والعزم على مباشرة إصلاحات عميقة، كفيلة بصون كرامة المواطنين، وضمان ولوجهم المنصف لحقوقهم، والاستجابة لتطلعاتهم المشروعة في حياة مزدهرة.
في خوضه معركة مكافحة الفساد والرشوة، عمل المغرب على تعزيز آلياته المؤسساتية والقانونية، ومن ذلك إحداث “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، بمقتضى الفصل 36 من الدستور، وقد نصّ مشروع قانون الهيئة المذكورة على إمكانية أن تتصدى الهيئة تلقائيا إلى كل حالة من حالات الفساد التي تصل إلى علمها، كما يمكنها القيام أو طلب القيام من أي جهة معينة تعميق البحث والتحري في الأفعال التي ثبت للهيئة، بناء على معطيات أو معلومات أو مؤشرات، أنها تشكل حالات فساد، واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل ترتيب الآثار القانونية في ضوء النتائج.
كما منح مشروع القانون الجديد، الهيئة إمكانية التماس تسخير القوة العمومية لمؤازرة مأموريها في القيام بمهامهم خلال أعمال البحث والتحري، وعمل مشروع القانون على إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة بتحديد مفهوم الفساد، وذلك بغاية توسيع نطاق تعريفه ليشمل جريمة تبديد الأموال العمومية ولما قد يجرمه المشرع مستقبلا من أفعال، إلى جانب المخالفات الإدارية والمالية التي تشكل سلوكيات تتسم بالانحراف وعدم حماية الصالح العام، وتناقض القواعد المهنية، ومبادئ الحكامة وقيم الشفافية والنزاهة.
إن الحكومة السابقة قد أعلنت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي امتدت من سنة 2016 إلى غاية 2025 كسقف لها، كما تضم الاستراتيجية 239 مشروعا موزعا عبر عشرة برامج منها برنامج الإدارة الإلكترونية، وبرنامج تحسين خدمة المواطنين، تم برنامج الشفافية و النزاهة و الحق في الوصول إلى المعلومة، وبرنامج الرقابة والمساءلة، كنا تقرر تنفيذ الاستراتيجية على ثلاث مراحل بميزانية تقدر بـ1.8 مليار درهم.
لكن في مقابل كل هاته الإجراءات والمخططات الحكومة مطالبة بتتبع وتقييم دقيق وشامل كل المراحل وفق وعاء زمني محدد و دقيق لاسيما عند الانتهاء من لكل مرحلة من مراحل الاستراتيجية والوقوف على مدى نجاعة النتائج المسطرة، ومسايرة إلى العديد من المؤشرات سواء المتعلقة بالتطورات الدولية أو الوطنية، من بينها مؤشر ترانسبرانسي، ومؤشر التنافسية العالمي، ومؤشر مناخ الأعمال والعديد من المؤشرات، إضافة إلى خلق عرف سنوي يشكل محطة لتقييم الحصيلة ومستوى نجاعة هذه الاستراتيجية.
وأيضا منهج تدبير مبني على تحليل المخاطر، أخذا بعين الاعتبار الأولوية المعطاة للمجالات الأكثر عرضة للفساد والتركيز على الإجراءات العملية وذات التأثير المباشر على الفساد، فلا يمكن الاستفادة من نتائج الإصلاحات التي اعتمدتها الدولة في جميع القطاعات دون توفير بيئة تستجيب لشروط النزاهة و ردع كل أشكال الفساد، خاصة وأن جل المجهودات المتراكمة السابقة لم تحقق النتائج المرجوة، وهذا واقع تشخصه الخطب الملكية و المؤسسات الدستورية الاستشارية و يعريه تفاقم الفوارق الاجتماعية، و بالتالي يبقى أكبر إشكال تعرفه العقليات السياسية مرتبط بإشكالية الانتقال من النص إلى التطبيق. فأي استراتيجية مهما كانت قائمة لن تكون فعالة و ناجعة إلا إذا ما استشعر بها المواطن في أقرب الاحتياجات اليومية الملازمة له.
السلطة تُمارس الرقابة على المجالس وعزل الرؤساء من اختصاص القضاء
تضمن القانون التنظيمي للجماعات الترابية صلاحيات جديدة للعمال تعطيهم سلطة قوية فوق رؤساء الجماعات، وإخضاع كافة القرارات التي تتخذها المجالس الجماعية لمراقبتهم، وأكد القانون أن جميع مقررات مجالس الجماعات وقرارات رؤسائها المنصوص عليها في القانون التنظيمي للجماعات الترابية، تخضع لمراقبة الشرعية من طرف العمال، وتكون مقررات مجالس الجماعة قابلة للتنفيذ بعد تبليغها إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من يمثلهما عدا في حالة التعرض عليها داخل الآجال المحددة، وينص القانون على ضرورة أن يوجه رئيس مجلس الجماعة هذه المقررات إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من يمثله داخل أجل لا يتعدى 5 أيام من أيام العمل الموالية لاختتام الدورة، وذلك مقابل وصل، ولا تكون هذه المقررات قابلة للتنفيذ في حالة عدم تبليغها إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من يمثله داخل الآجال المحددة.
كما يتم وجوبا تبليغ القرارات التنظيمية المتخذة في مجالات الشرطة الإدارية وجميع القرارات الفردية المتعلقة بالتعمير إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من يمثله داخل أجل خمسة أيام تبتدئ من تاريخ اتخاذ القرار، وتعتبر باطلة بحكم القانون المقررات المتعلقة بموضوع خارج عن نطاق اختصاصات الجماعة وصلاحيات مجلسها أو المتخذة خرقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ويعلن عن البطلان، في كل وقت وآن، من طرف المحكمة الإدارية المختصة بطلب من عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه، وتبت المحكمة الإدارية المختصة في الطلب داخل أجل لا يتجاوز ثلاثين يوما، وتبلغ المحكمة وجوبا نسخة من الحكم إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه ورئيس المجلس المعني. وذلك داخل أجل 10 أيام بعد صدوره.
ويتعرض عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه على المقررات المتعلقة بموضوع خارج عن نطاق اختصاصات الجماعة وصلاحيات مجلسها أو المتخذة خرقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ويبلغ تعرضه معللا إلى رئيس مجلس الجماعة داخل أجل لا يتعدى 5 أيام من العمل ابتداء من تاريخ التوصل بالمقرر، ويلزم تعرض عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه المجلس المعني إجراء دراسة جديدة للمقرر المتخذ، وفي حالة رفض المجلس المعني إجراء دراسة جديدة أو في حالة الإبقاء على المقرر المتنازع فيه، يحيل عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه المقرر المتخذ على قاضي المستعجلات، وفي هذه الحالة، يقول القانون، وجب على المحكمة الإدارية المختصة البت في طلب وقف تنفيذ المقرر داخل أجل 48 ساعة يبتدئ من تاريخ توصلها بهذا الطلب، وبمجرد الإحالة على المحكمة يتوقف تنفيذ المقرر.
وينص القانون على أن بعض المقررات لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها من طرف عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه، ويتعلق الأمر بمقررات الميزانية، والمقررات ذات الوقع المالي على النفقات والمداخيل، ولا سيما الاقتراضات والضمانات وفرض الرسوم المأذون بها، وتفويت الأملاك الجماعية وتخصيصها، والمساعدات والهبات والوصايا، وتسمية الشوارع والساحات العمومية عندما تكون هذه التسمية تشريفا عموميا أو تذكيرا بحدث تاريخي، اتفاقيات التعاون أو الشراكة، ويتعين أن يتم التأشير من طرف عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب على هذه المقررات داخل أجل 20 يوما من تاريخ توصله بالمقرر، ويعتبر عدم التعرض على هذه المقررات بعد مرور هذه الآجال بمثابة تأشيرة.
وخلافا للقوانين السابقة المنظمة للجماعات الترابية، التي كانت تمنح كامل السلطة لوزير الداخلية في اتخاذ قرارات عزل رؤساء المجالس الجماعية ونوابهم، فإن هذه السلطة أصبحت في يد القضاء ضمن القانون التنظيمي للجماعات الترابية المعمول بها حاليا منذ الانتخابات الجماعية، وحسب القانون، يختص القضاء وحده بعزل أعضاء المجلس وكذلك بالتصريح ببطلان مداولات مجلس الجماعة وكذا بإيقاف تنفيذ المقررات والقرارات التي قد تشوبها عيوب قانونية، ويختص القضاء وحده بحل مجلس الجماعة، فيما تنص المادة 64 من نفس القانون، على أنه إذا ارتكب عضو من أعضاء مجلس الجماعة غير رئيسها، أفعالا مخالفة للقانون والأنظمة الجاري بها العمل، قام عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه عن طريق رئيس مجلسها بمراسلة المعني بالأمر للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه داخل أجل لا يتعدى 10 أيام ابتداء من تاريخ التوصل.
ووفق القانون، إذا ارتكب رئيس المجلس أفعالا مخالفة للقانون والأنظمة الجاري بها العمل، قام عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه بمراسلته قصد الإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأعمال المنسوبة إليه، داخل أجل لا يتعدى عشرة أيام ابتداء من تاريخ التوصل، كما يجوز للعامل أو من ينوب عنه، وبعد التوصل بالإيضاحات الكتابية المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية أعلاه، حسب الحالة، أو عند عدم الإدلاء بها بعد انصرام الأجل المحدد، إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية وذلك لطلب عزل عضو المجلس المعني بالأمر من مجلس الجماعة أو عزل الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس، وتبت المحكمة في الطلب داخل أجل لا يتعدى شهرا من تاريخ توصلها بالإحالة، وفي حالة الاستعجال، يمكن إحالة الأمر إلى قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية الذي يبت فيه داخل أجل 48 ساعة من تاريخ توصله بالطلب، ويترتب على إحالة الطلب على المحكمة الإدارية توقيف المعني بالأمر عن ممارسة مهامه إلى حين البت في طلب العزل، كما ينص القانون على أنه لا تحول، إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية، دون المتابعات القضائية، عند الاقتضاء.
رؤساء جماعات يتساقطون تباعا بسبب ملفات الفساد
شرعت وزارة الداخلية في قطف رؤوس عدد من رؤساء المجالس الجماعية، بإحالة ملفاتهم على القضاء لمتابعتهم بتهم تتعلق بتبديد المال العام، أو تورطهم في مخالفات خطيرة، وخصوصا في مجال التعمير، كما أحالت الوزارة بعض التقارير التي توصلت بها من طرف المجلس الأعلى للحسابات على أنظار المفتشية العامة للوزارة، فيما باشرت مسطرة العزل في حق منتخبين آخرين، وذلك عن طريق تحريك دعاوى قضائية أمام المحاكم الإدارية.
وبدأ رؤساء المجالس الترابية المنتمون يتساقطون تباعا، بعد صدور قرارات عزلهم من طرف القضاء الإداري، إثر تورطهم في اختلالات إدارية ومالية تتعلق بتدبير المجالس الجماعية منذ الانتخابات التي جرت قبل ثلاث سنوات، وفي هذا الصدد، أصدرت المحاكم الإدارية أحكاما قضائية تتعلق بعزل رؤساء العديد من الجماعات، فيما أحال وزير الداخلية ملفات أخرى على الوكيل القضائي للمملكة من أجل مباشرة مسطرة العزل في حق دفعة أخرى من الرؤساء.
وأوضحت المصادر أن وزارة الداخلية أحالت حوالي 60 عضوا بالمجالس الجماعية على القضاء، بسبب ارتكابهم أعمالا مخالفة للقانون وتضر بأخلاقيات المرفق، بينهم 30 رئيس جماعة، و20 نائبا للرئيس، و10 مستشارين جماعيين، وكذا تحريك الدعوى العمومية في حق 16 رئيسا سابقا وأعضاء بمجالس جماعية، لارتكابهم أفعالا تستوجب عقوبة جنائية كاختلاس المال العام، أو تزوير وثائق إدارية أثناء ممارستهم لمهامهم.
وكشف التقرير أن المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية، توصلت من خلال مديرية الشؤون القانونية والدراسات والتوثيق والتعاون، بمجموعة من التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، تضمنت ملاحظات تتعلق بالجانب المالي والمحاسبي والصفقات العمومية والممتلكات الجماعية والتسيير الإداري.. وذكر المصدر ذاته أنه تمت إحالة هذه التقارير على المفتشية العامة للإدارة الترابية، كما توصلت المديرية بتقارير من طرف المجالس الجهوية للحسابات تتعلق بمراقبة تسيير المجالس الجماعية تمت إحالتها بدورها على المفتشية، ومن المنتظر أن يتم على ضوء هذه التقارير، الشروع في مسطرة عزل بعض رؤساء الجماعات المتورطين في اختلالات وخروقات خطيرة تستدعي عزلهم من مناصبهم عن طريق القضاء الإداري. وكشفت المصادر أن مديرية الجماعات المحلية توصلت بالتقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، يتعلق بتدبير جماعات ترابية وذلك قصد التعقيب على الملاحظات المزمع إدراجها ضمن التقرير السنوي للمجلس نفسه، كما توصلت المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية، بتقارير منجزة من طرف السلطات الإقليمية بخصوص تدبير بعض الجماعات، تضمنت في مجملها ملاحظات حول بعض التجاوزات تهم الجانب المالي والإداري ومجال التعمير، وكذا مختلف التجاذبات التي تعرفها المجالس بين الأغلبية والمعارضة.
من جهة أخرى، أحال عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، تقارير أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية على أنظار رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، من أجل اتخاذ المتعين بشأنها، وتتعلق هذه التقارير باختلالات رصدتها المفتشية في تدبير الجماعات الترابية، وتكتسي بعض الخروقات والاختلالات طابعا جنائيا يستدعي الإحالة على القضاء.
وتقوم المفتشية العامة لوزارة الداخلية بإنجاز عدد من مهام التفتيش تتمحور حول مراقبة التسيير الإداري والمالي والتقني لبعض الجماعات المحلية والهيئات التابعة لها، والبحث والتحري في تصرفات منسوبة لبعض رجال السلطة، ومراقبة ميدان التعمير، ومهام البحث في شأن شكايات أو مواضيع مختلفة، والمهام المتعلقة بعمليات تسليم السلط.
وبعد الانتهاء من جميع الأبحاث والتحريات بالجماعات الترابية المعنية تقوم اللجان التابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية بإعداد تقارير التفتيش والمراقبة وفق المعايير المعمول بها في هذا الميدان، حيث يراعي الاحترام التام لحق الدفاع باعتباره من الحقوق الكونية، إذ تتم في إطار ما يصطلح عليه بالمسطرة التواجهية، إحالة النتائج المتوصل إليها، عقب الانتهاء من إعداد التقارير، على المنتخبين الجماعيين المعنيين حتى يتسنى لهم إبداء ملاحظاتهم وتقديم تعليلاتهم بخصوص مختلف التجاوزات والمخالفات المنسوبة إليهم، وتنجز هذه اللجن مهام تفتيش وتحر، تتعلق مواضيعها بالتسيير المالي والإداري للجماعات التربية ومراقبة التعمير وتسليم السلط والبحث في التصرفات المنسوبة لبعض رجال السلطة وأعوانهم وبعض الموظفين، والتحقيق في الشكايات المرفوعة ضد المنتخبين أو بميادين أخرى.
وسبق لوزير الداخلة التأكيد على أهمية الافتحاص الداخلي للجماعات، واعتبر ورش تكريس الافتحاص الداخلي بالجماعات يأتي في إطار تنزيل مقتضيات الدستور، كما يعد عنصرا مهما من عناصر تفعيل الحكامة الجيدة التي أفرد الدستور لها بابا خاصا، نص فيه على إخضاع المرافق العمومية للمراقبة والتقييم وربط المسؤولية بالمحاسبة. وأضاف الوزير أنه في إطار تعزيز المسار الديمقراطي للمغرب وجعل الجهوية رافعة محورية للتنمية الترابية، تم توسيع اختصاصات الجماعات الترابية وتخفيض مستويات الوصاية والرقابة القبلية عليها، لذلك أصبح من اللازم اعتماد آليات الرقابة الداخلية كالإفتحاص الداخلي الذي يعد أداة لمساعدة القائمين على التدبير المحلي على تقييم مدى استجابة البرامج للخدمات المقدمة إلى المواطنين، كما أكد أن وزارة الداخلية بكل مكوناتها، ستظل حريصة على مواكبة هذا الورش، خاصة عبر التكوين ودعم القدرات.
ومن بين الملاحظات المسجلة من طرف المفتشية العامة، رصد مجموعة من الاختلالات تتعلق بسوء تدبير قطاع المداخيل بالجماعات الترابية، وضعف تدابير المراقبة الداخلية، مما قد يؤثر سلبا على ممارسة شساعة المداخيل للاختصاصات الموكلة إليها، والإعفاءات غير المبررة للملزمين الخاضعين لبعض الرسوم المحلية واستخلاص الجماعات دون سند قانوني لبعض المداخيل، وعدم القيام بالإجراءات اللازمة لتحصيل بعض مداخيل الجماعات، كما هو الحال بالنسبة لواجبات الأكرية والرسم على استخراج مواد المقالع والرسم على عمليات تجزئة الأراضي والرسم المفروض على محال بيع المشروبات والرسم على محطات الوقوف والنقل العمومي والرسم المفروض على شغل الملك العمومي لأغراض تجارية أو صناعية أو مهنية ومداخيل النقل بواسطة سيارة الإسعاف ومنتوج استغلال المياه، إضافة إلى تراكم مبالغ “الباقي استخلاصه”.
وقد أبانت تحريات لجان التفتيش عن وجود مجموعة من الاختلالات على مستوى استخلاص الرسوم والواجبات وأجور الخدمات المستحقة لفائدة ميزانية الجماعات القروية والحضرية، من بينها التقاعس عن إصدار أوامر استخلاص العديد من الرسوم المستحقة لفائدة الجماعة، وذلك خلافا لمقتضيات القانون رقم 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، والمادة 27 من المرسوم رقم 2.09.441 الصادر في 3 يناير 2010 بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها، ومن شأن هذا التقاعس أن يؤدي إلى سقوط جزء مهم من هذه الرسوم في التقادم، وعدم تفعيل مسطرة فرض الرسم بصفة تلقائية عند عدم إدلاء الملزمين بإقراراتهم السنوية المتعلقة ببعض الرسوم المحلية أو عند عدم أدائهم لهذه الرسوم، وعدم قيام الجماعة، بمعية المصالح الضريبية المعنية، بإحصاء الوعاء الضريبي الخاص بالرسم المهني ورسم السكن والرسم على الخدمات الجماعية كما تنص على ذلك مقتضيات القانون رقم 06-47 المتعلق بالجبايات المحلية.
وعلى مستوى تدبير المصاريف، أظهرت مهام مراقبة التدبير المالي والإداري بالجماعات الترابية مجموعة من الاختلالات على مستوى تنفيذ النفقات العمومية، كما أبانت كذلك عن العديد من النواقص التي طبعت إنجاز المشاريع الجماعية وتسببت في تعثر البعض منها، وتتلخص أهم الملاحظات في إنجاز الجماعات لمشاريع دون الاعتماد على دراسات تقنية مسبقة، وعدم حل مشكل سجلات المحاسبة المتعلق بالجماعات المحلية ومجموعاتها، سيما دفتر تسجيل حقوق الدائنين والدفتر اليومي لأوامر الأداء الصادرة، وعدم احترام الضوابط القانونية بتنفيذ الصفقات العمومية وخرق المساطر المعمول بها وعدم اعتماد المحاسبة المادية بالنسبة إلى مقتضيات الجماعة، فضلا عن إهمال مجموعة من الممتلكات المعطلة من أجهزة ومعدات وآليات بالمخزن الجماعي، رغم إمكانية إصلاحها، كما رصدت التقارير اختلالات تتعلق بسوء تدبير حظيرة السيارات.
وعلى مستوى تدبير المداخيل والنفقات، سجلت تقارير المفتشية، عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحصاء الملزمين الخاضعين لمختلف الرسوم الجماعية، والتقصير في تطبيق المقتضيات القانونية في حق الممتنعين عن أداء الرسوم، كما أظهرت مهام التفتيش التي شملت جوانب مختلفة من التدبير المالي والإداري بالجماعات الترابية مجموعة من الاختلالات، خاصة على مستوى تنفيذ الطلبيات العمومية، كما أبانت كذلك عن العديد من النواقص التي طبعت إنجاز بعض المشاريع وتسببت في تعثر البعض منها، ويتعلق الأمر بعدم احترام مقتضيات دفتر التحملات بخصوص إنجاز أشغال الصفقات، وأداء مبلغ عن خدمات لم تنجز، وأداء مبالغ متعلقة بسندات طلب دون الإنجاز الكامل للأشغال، واللجوء المتكرر إلى عدد محدود من الموردين، اللجوء إلى تسوية وضعية نفقات باللجوء إلى سندات الطلب، بالإضافة إلى تسليم أشغال صفقة، بالرغم من عدم احترام المواصفات التقنية المنصوص عليها بدفتر الشروط الخاصة.
محاربة فساد المنتخبين.. جهود حثيثة ونتائج متواضعة
دعت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في المغرب إلى ضرورة الانخراط في مرحلة جديدة لمكافحة الفساد، من أجل خلق دينامية مهمة في خدمة تنمية قوية وشاملة ومستدامة، في حين يسجل المغرب تراجعاً في مؤشر إدراك الفساد على الرغم من اعتماد المملكة توجهات لمكافحة تلك الظاهرة، حسب آخر تقرير للهيئة أشارت فيه إلى أن الدستور نص على آلية تشكيل لجان تقصي الحقائق، ومهمتها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو تدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية، وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها. ونص الدستور على ضمان استقلالية المجلس الأعلى للحسابات المكلف بمراقبة المالية العامة، عبر تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة إلى الدولة والأجهزة العامة.
وخصص باب كامل لمبدأ الحكامة الجيدة، إذ ينص الفصل 154 على أن المرافق العامة تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والفصل 158 على إلزامية تقديم تصريح بالممتلكات للأشخاص المنتخبين أو المُعينين، فيما ينص الفصل 159 على استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة. وأكد الدستور، كذلك، استقلالية مجلس المنافسة، المكلف بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق.
ونص الفصل 167 على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محدداً مهامها في «التنسيق والإشراف وضمان تتبع وتنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وقيم المواطنة المسؤولة».
وبعد أن اعتُمد نموذج تنموي جديد شهر ماي من سنة 2021، وهو ما اعتبره مختصون فرصة جديدة لمحاربة مظاهر الفساد، أشار رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بشير الراشدي، إلى أن المرحلة الجديدة في مكافحة الفساد يجب أن تقوم على مبدأ سيادة القانون، الذي يجعل من الشفافية والحكامة قواعد لا غنى عنها لتلبية الانتظارات المشروعة للمواطنين في إطار النموذج التنموي الجديد.
وسجل تقرير الهيئة وجود تراجع لمرتبة المملكة في مؤشرات عدة متعلقة بالحكامة، معتبراً أن الفساد ذو طابع نسقي ومزمن بالمغرب، وأن المواطن بشكل عام والمقاول والمستثمر الأجنبي لا يلمسون ترجمة فعلية للخطاب السياسي الذي يدين الفساد ويعد بمحاربته، وذلك على الرغم من القوانين التي تتم بلورتها أو الهيئات التي يتم إقرارها والالتزامات الدولية التي قطعها البلد على نفسه.
وأشار التقرير إلى أن «ذلك يرجع بالتأكيد إلى غياب إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد ببلادنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر انقضت الآن ما يزيد على خمس سنوات على تبني الحكومة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في المغرب، وكان من المفترض، بعد كل هذه المدة، أن نكون حققنا تقدماً ملموساً في تنزيل مقتضياتها وتفعيل نحو 200 مشروع وإجراء في إطار برامجها العشرة».
وأوضح التقرير أن تلك الاستراتيجية ما زالت بعيدة من التفعيل بسبب ضعف الانخراط العملي للوزراء والمسؤولين الكبار في الإدارات، ما عدا بعض الاستثناءات، بسبب شبه غياب لاجتماعات اللجنة الوطنية المخول لها متابعة الاستراتيجية، وعدم تجريم الإثراء غير المشروع، الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسة في تبذير المال العام. وأضاف التقرير أن هناك أيضاً غياباً لقانون يجرم حالات تضارب المصالح التي يتم رصدها بشكل يومي، سيما في الصفقات العمومية، إضافة إلى عدم توفير حماية فعالة للمبلغين عن الفساد.
سعيد الخمري*
«فساد المنتخبين يسائل الأحزاب والناخبين ومؤسسات التنشئة»
- ما مؤشرات تنامي حالات تحريك المتابعة في ملفات فساد المنتخبين في المجالس المحلية؟
لا يمكن الجزم في الخلفيات وراء هذا الأمر، لكن، وإن كانت لا تتوفر أرقام حول عدد هذه الملفات، علما أن لدينا في المغرب أزيد من 1500 جماعة وعشرات مجالس العمالات، بالإضافة إلى اثنتي عشرة جهة، فإنه من الواجب الوقوف عند الأرقام حتى يمكن الحديث عن مؤشرات بخصوص الأسباب الكامنة وراء هذا الأمر.. وجود هذه الحالات يسائل الأحزاب بالدرجة الأولى ويسائل، كذلك، المواطنين الذين ينتخبون هؤلاء المنتخبين بدرجة أقل، ويسائل، أيضا، الدولة في شخص المشرع في مدى تطويقه لعملية تسيير الشأن الترابي بما يكفي من الضوابط والشروط التي من شأنها أن تحكم عملية التدبير بالشفافية والحكمة في تنفيذ البرامج. مع كل هذا يجب التأكيد على أن القانون مهم جدا، غير أنه وحده لا يكفي بحكم تعدد المتدخلين، وهو الأمر الذي يرتبط بمنسوب الديمقراطية الترابية داخل البلد، ونحن في المغرب لدينا تجربة في التدبير الجماعي منذ ستينيات القرن الماضي، غير أنه يمكن التأكيد على أن مستقبل الديمقراطية في البلد مرتبط بمنسوب ومستقبل الديمقراطية الترابية.
- ما الأسس القانونية التي تنبني عليها مراقبة تدبير المجالس المحلية؟
السند القانوني يتمثل في الرقابة التي تمارسها وزارة الداخلية، من خلال مفتشيتها أو من خلال المسؤولين الترابيين من العمال والولاة، على المجالس المحلية بأصنافها الثلاثة (الجماعات ومجالس العمالات ومجالس الجهات)، وهي المراقبة التي تجد سندها في القانون التنظيمي للجماعات المحلية. وبطبيعة الحال فالصيغة التي أصبحت عليها الرقابة ليست الصيغة السابقة لما قبل دستور 2011، بل إنها تغيرت، حيث إن هذه المراقبة قانونية وتمنح لوزارة الداخلية الصلاحيات فيها من خلال أجهزتها أو عبر الولاة والعمال، وتظهر بشكل جلي في المصادقة والتأشير على ميزانية الجماعات المحلية والمجالس المحلية بشكل عام، وبعدها في تتبع أوجه صرف هذه الميزانية بعد التأشير عليها من طرف السلطات الترابية. ومن هذا المنطلق يجب التأكيد على أن مراقبة وزارة الداخلية لعمل المجالس المحلية مطوقة بالقانون حفاظا على السلامة القانونية لأشغال هذه المجالس. هذا دون الحديث عن الدور الذي يقوم به المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية التابعة له، وهو الذي يأتي بشكل متكامل مع هيئات الرقابة التابعة لوزارة الداخلية، حيث إن دور المجالس الجهوية للحسابات يدخل في إطار القضاء المالي، بينما تحمل مراقبة الداخلية للمجالس المحلية طابع الرقابة الإدارية والتدبيرية، وبالتالي فليس هناك تداخل في عمل الهيئتين، والمجلس الأعلى للحسابات يقوم بافتحاص الجماعات بناء على جدول أعماله وأوجه إنفاق مالية تلك الجماعات، بناء على برامج عملها أو مخططات التنمية التي صادقت علها، وتنوع المراقبة بين المجالس الجهوية للحسابات ومفتشية وزارة الداخلية ورقابة الولاة والعمال من شأنه إضفاء المزيد من الحكامة على تدبير وتسيير المجالس المحلية.
- هل يمكن الحديث عن رقابة قبلية، من خلال تخليق الحياة السياسية وتقصي الكفاءة والنزاهة في صفوف المرشحين لتسيير تلك المجالس؟
طبعا وإن كانت هذه المسألة مترابطة مع عوامل متعددة، وهي العوامل التي تدخل في سياق اشتغال النظام الديمقراطي الترابي ككل، ومنها ما يتعلق بالقوانين المؤطرة للانتخابات، حيث إن مدونة الانتخابات تحمل الكثير من المقتضيات التي تصب في منحى التخليق المنشود. ففيها ما يتعلق بشروط المترشحين، وما يتعلق بنزاهة العملية الانتخابية، وأيضا ما يتعلق بالذمة المالية للمترشحين، وبحالات التنافي في ممارسة الانتدابات الانتقالية، وكلها مقتضيات تصبو إلى تطويق عمل الجماعات بضوابط من شأنها أن تضمن حكامة عمل هذه الجماعات.
مربط الفرس، هنا، يكمن في أن الفاعلين الرئيسيين في عمل الجماعات هم الأحزاب السياسية، التي تنفخ الروح الديمقراطية في عمل الجماعات الترابية، وهي مطوقة بمسؤولية سياسية وأخلاقية في ما يخص ممارسة الشأن الترابي، سواء من حيث دورها في انتقاء المرشحين أو من حيث منحها للتزكيات ومواكبتها لعمل منتخبيها في مجالس الجماعات أو مجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجهات، سواء كانت مسيرة أو في المعارضة داخل هذه المجالس، ومدى حرصها على علاقة هؤلاء المنتخبين بالمواطنين الذين منحوهم أصواتهم في الانتخابات، وأيضا من حيث دورها في التنشئة السياسية وتأطير هؤلاء المنتخبين، وبالتالي فهذه المسؤولية، في آخر المطاف، تطوق عنق الأحزاب السياسية التي لديها مسؤولية سياسية وأخلاقية تجاه منتخبيها في المجالس الترابية.
من جانب آخر، لا يمكن أبدا إغفال مسؤولية الناخبين، وهنا نتحدث عن المحطات الانتخابية، حيث لا يمكن بأي حال أن نتقبل انتقاد المواطنين والناخبين للمسؤولين المنتخبين، في حين أنهم هم من ساهموا في تصدرهم للمشهد من خلال صناديق الاقتراع، ولا يمكن، كذلك، وبأي حال من الأحوال، أن نجد مبررا لمن كان وراء التصويت على منتخبين فاسدين، وبالتالي، ففي تقديري، المسؤولية مرتبطة، وهي أيضا مسؤولية مؤسسات التنشئة، ونتحدث هنا عن دور المدرسة ومؤسسة التعليم وأيضا الإعلام في إشاعة ثقافة النزاهة والتخليق، ونحن هنا نتحدث عن الإنسان، حيث يمكن أن نقوم بتشريع أقوى القوانين في محاربة الفساد ونهب المال العام، غير أنها قد تبقى محدودة النتائج، ما لم يتم العمل على تعزيز مبادئ النزاهة والتخليق لدى الفاعلين السياسيين والحزبيين والمنتخبين.
*أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية