رؤساء جماعات ومنتخبون مهددون بالعزل
الداخلية تحارب تضارب المصالح بالمجالس المنتخبة
بعد صدور دورية وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، الداعية إلى تفعيل مسطرة العزل في حق كل عضو منتخب في جماعة ترابية معينة، ثبت أنه تربطه مصالح خاصة مع الجماعة التي ينتمي لها، شرع الولاة وعمال الأقاليم والعمالات في توجيه استفسارات إلى منتخبين جماعيين تحوم حولهم شبهة ربط مصالح خاصة مع جماعات هم أعضاء فيها، وخلال السنوات الأخيرة، تحول العديد من المنتخبين إلى أغنياء عن طريق السياسة، بعد استفادتهم من عدة امتيازات وصفقات.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
دعا وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، في دورية توصل بها الولاة والعمال، إلى «مباشرة مسطرة العزل في حق كل عضو منتخب في جماعة ترابية معينة، ثبت أنه تربطه مصالح خاصة مع الجماعة التي ينتمي لها». وشددت دورية وزارة الداخلية على «ترتيب الآثار القانونية التي تقتضيها وضعية ربط المنتخبين لمصالح خاصة مع الجماعات الترابية التي ينتمون لمجالسها، وذلك من خلال مباشرة الإجراءات المتعلقة بالعزل». فيما نبهت الوزارة، ضمن الدورية ذاتها، إلى أن المادة 68 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، والمادة 66 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم والمادة 65 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، نصت على أنه يمنع على كل عضو من أعضاء مجلس الجماعة الترابية أن يربط مصالح خاصة مع الجماعة الترابية التي هو عضو فيها أو مع هيئاتها مؤسسات التعاون بين الجماعات».
ونصت المادة ذاتها، بحسب وزارة الداخلية، على أنه يمنع على كل عضو أن يربط مصالحه الخاصة، مع «مجموعات الجماعات الترابية التي تكون الجماعة الترابية عضوا فيها أو شركات التنمية التابعة لها…)، أو أن يبرم معها عقودا للشراكات وتمويل مشاريع الجمعيات التي هو عضو فيها، وبصفة عامة أن يمارس كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح، سواء بصفة شخصية أو بصفته مساهما أو وكيلا عن غيره أو لفائدة زوجه أو أصوله أو فروعه»، كما أكد وزير الداخلية أن «كل منتخب ثبت في حقه إخلال بالمقتضيات المنصوص عليها بكيفية صريحة وواضحة، من خلال ربطه مصالح خاصة مع جماعته الترابية أو هيئاتها أو يمارس أي نشاط كيفما كان ينتج عنه بصفة عامة تنازع المصالح، بصفته شخصا ذاتيا أو كعضو في الهيئات التسييرية لأشخاص معنويين (شركات أو جمعيات)، فإنه يتعين الحرص على ترتيب الآثار القانونية التي تقتضيها هذه الوضعية، وذلك من خلال مباشرة الإجراءات القانونية المتعلقة بعزل المنتخبين».
وأوضحت دورية الوزارة أن «المقتضيات السالفة الذكر جاءت بصيغة العموم والإطلاق دون تحديد من حيث النطاق الزمني، مما يكون معه المنع قائما بالنسبة لأية علاقة مستمرة خلال الولاية الانتدابية الحالية ولو ابتدأت قبلها، لأن الغاية والنتيجة واحدة سواء ربطت المصالح قبل الولاية الحالية أو خلالها ما دام أن وضعية تنازع المصالح تبقى قائمة باستمرار العضو بمجلس الجماعة الترابية في علاقة المصلحة الخاصة أو ممارسة أي نشاط كيفما كان له علاقة بمرافق الجماعة الترابية أو مع هيئاتها (مؤسسات التعاون بين الجماعات أو مجموعات الجماعات الترابية التي تكون الجماعة عضوا فيها أو شركات التنمية التابعة لها أو شركات التدبير المفوض)»، مشيرة إلى أنه «لوحظ من خلال الاستشارات القانونية التي تتوصل بها مصالح وزارة الداخلية، أن بعض المنتخبين بمجالس الجماعات الترابية يستمرون في علاقتهم التعاقدية أو ممارسة النشاط الذي كان يربطهم بجماعتهم الترابية قبل انتخابهم لعضوية مجلسها سواء من خلال كراء المحلات التجارية أو تسيير أو استغلال مرافق تجارية في ملكية الجماعة الترابية، كأشخاص ذاتيين أو كأعضاء في هيئات التسيير لأشخاص معنويين الشركات والجمعيات».
وتوصل عشرات المنتخبين باستفسارات من الولاة والعمال حول ربطهم لمصالح خاصة بالجماعات التي هم أعضاء فيها، يطلبون منهم تقديم إيضاحات كتابية داخل أجل 10 أيام. وتنص المادة 65 من القانون التنظيمي للجماعات، على أنه يمنع على كل عضو من أعضاء مجلس الجماعة أن يربط مصالح خاصة مع الجماعة أو مؤسسات التعاون أو مع مجموعات الجماعات الترابية التي تكون الجماعة عضوا فيها، أو مع الهيئات أو مع المؤسسات العمومية أو شركات التنمية التابعة لها، أو أن يبرم معها أعمالا أو عقودا للكراء أو الاقتناء أو التبادل، أو كل معاملة أخرى تهم أملاك الجماعة، أو أن يبرم معها صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات، أو عقودا للامتياز أو الوكالة أو أي عقد يتعلق بطرق تدبير المرافق العمومية للجماعة أو أن يمارس بصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح، سواء كان ذلك بصفة شخصية أو بصفته مساهما أو وكيلا من غيره أو لفائدة زوجته أو أصوله أو فروعه، وتطبق نفس الأحكام على عقود الشراكات وتمويل مشاريع الجمعيات التي هو عضو فيها.
وتطبق مقتضيات المادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات على كل عضو أخل بهذه المقتضيات، وتنص على أنه إذا ارتكب عضو من أعضاء مجلس الجماعة غير رئيسها، أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجماعة، قام عامل الإقليم أو من ينوب عنه عن طريق رئيس المجلس بمراسلة المعني بالأمر للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه داخل أجل لا يتعدى 10 أيام ابتداء من تاريخ التوصل، ويجوز لعامل الإقليم أو من ينوب عنه، بعد التوصل بالإيضاحات الكتابية، أو عند عدم الإدلاء بها بعد انصرام الأجل المحدد، إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية، وذلك لطلب عزل عضو المجلس المعني بالأمر من مجلس الجماعة أو عزل الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس. وتبت المحكمة في الطلب داخل أجل لا يتعدى شهرا من تاريخ توصلها بالإحالة، وفي حالة الاستعجال، يمكن إحالة الأمر إلى القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية الذي يبت فيه داخل أجل 48 ساعة من تاريخ توصله بالطلب، ويترتب على إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية توقيف المعني بالأمر عن ممارسة مهامه إلى حين البت في طلب العزل، ولا تحول إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية دون المتابعات القضائية، عند الاقتضاء.
محمد الغلوسي*: «تضارب المصالح وجه من أوجه الفساد المكلف للبلاد»
اعتبر محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن الدورية التي وجهتها وزارة الداخلية إلى ولاة الجهات وعمال العمالات والمقاطعات من أجل تفعيل مسطرة العزل في مواجهة المنتخبين بالجماعات الترابية، سواء كرؤساء لهذه المجالس أو كأعضاء، ومن أجل التقيد بالقوانين التنظيمية المنظمة لهذه المجالس، وخاصة ما يتعلق بوضع حد لتضارب المصالح، «إيجابية»، حسب الغلوسي، مبينا أن «بعض رؤساء وأعضاء هذه المجالس لهم مصالح مع هذه الأخيرة، وهو الشيء الذي تمنعه القوانين التنظيمية لهذه المؤسسات الترابية»، مبينا أنه «ورغم وجود نصوص قانونية تمنع تضارب المصالح وتمنع كل عضو في الجماعات الترابية المشار إليها أعلاه من ربط مصالح خاصة مع الجماعة التي ينتمي إليها، فإن ذلك لم يكن يعني لبعض المنتخبين أي شيء، لأنهم يعتقدون أن النصوص القانونية وضعت فقط من أجل الديكور، لا لتطبيقها».
وأوضح الغلوسي أن «بعض المنتخبين حولوا تدبير الشأن العام إلى مجال للارتزاق»، مضيفا أن منهم من «تمرد على النصوص القانونية مستغلا ضعف آليات الرقابة وتغاضي بعض العمال عن ممارسة مسطرة العزل»، وهو ما يشكل، حسب المتحدث، «خرقا واضحا لمقتضيات القانون، جعل وزارة الداخلية باعتبارها المعنية بالحرص على تطبيق المقتضيات القانونية ذات الصلة بتضارب المصالح، استشعارا منها لخطورة هذه الممارسة، تعمد إلى توجيه مراسلة في الموضوع من أجل الحرص على سلوك مسطرة العزل ضد كل المنتخبين الذين تربطهم مصالح خاصة بالجماعات الترابية»، يشير الغلوسي.
من جانب آخر، أوضح الغلوسي أنه، إلى جانب تضارب المصالح، «هناك موضوع لا يقل أهمية عن قضية تضارب المصالح يفرض على وزارة الداخلية التدخل العاجل من أجل وضع حد له ويشكل امتدادا لتضارب المصالح واستغلال المرافق العمومية لقضاء مصالح خاصة، يتعلق الأمر باستغلال واستعمال سيارات في حوزة الجماعات الترابية (الجماعات المحلية، مجالس العمالات والأقاليم، مجالس الجهات) من أجل مآرب خاصة، لا علاقة لها بممارسة المهام الانتدابية والوظيفية»، مبينا أن «تلك السيارات تتجول في أماكن وأوقات مختلفة (الأسواق، الشواطئ، أمام المطاعم والحانات والفنادق والمقاهي، المساجد، أمام المدارس الخاصة والعامة، ويتم توظيفها في مختلف الأنشطة التي لا تهم تلك الجماعات، ونجد تلك السيارات التي وضعت قانونا تحت تصرف المرفق العمومي في ما له علاقة بمهامه ووظائفه، تتجول في الليل، العطل، وفي مختلف الأوقات وفي أوضاع تثير الاستفزاز والغضب».
وشدد الغلوسي على أن كلفة الفساد في المغرب تتعدى 5 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو رقم يشكل تهديدا للتنمية ويضع الاقتصاد في نفق مسدود وغير قادر على رفع تحديات المنافسة على المستوى الدولي، مبينا أن تضارب المصالح وجه من أوجه الفساد الذي أصبح من أبرز المعيقات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لمساهمته في ضياع هذا الطموح وحرمان المجتمع من التمتع بالحريات والعدالة الاجتماعية وضمان مستقبل الأجيال القادمة.
ثلاثة أسئلة
عبد الحفيظ أدمينو *
*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق السويسي بالرباط
«منع تضارب المصالح مسألة ضرورية في مشروع مكافحة الفساد بالبلاد»
ما هي الآليات القانونية لتجنيب المجالس المحلية تضارب المصالح لمنتخبيها ؟
أولا يجب الإشارة إلى أن تضارب المصالح لا يرتبط فقط بالمذكرة التي وجهها وزير الداخلية لرؤساء المجالس الترابية، على اعتبار أن القوانين التنظيمية الثلاثة (111-14 و112-14 و113-14) كلها تضمنت بعض المقتضيات الخاصة بالجانب المتعلق بتضارب المصالح، خاصة ما يرتبط أساسا بتضارب المصلحة بين المنتخبين والصفقات العمومية التي تبرمها مجالس الجماعات الترابية، أو كذلك الدعم الذي يمنح للجمعيات التي قد يكون فيها المنتخبون أعضاء أو يرأسونها، وبالتالي فالقاعدة قد بنيت على مستوى القوانين التنظيمية، لكن لاحظنا في ما يتعلق بالجمعيات أن هناك دوريات أخرى لوزير الداخلية تبين هذا الأمر، وتوضح أنه لا يمكن لأي جمعية الاستفادة من دعم المجلس الجماعي في حالة إذا كان أحد رؤسائها أو أعضاء مكتبها منتخبا كمستشار جماعي أو جهوي أو إقليمي، لكن عددا من المنتخبين يبقى في صفة مباشرة أو من خلال مقاولات يدبرها مقربوه من الأصول أو الفروع، تكون في بعض الأحيان في علاقة مع المجالس المنتخبة في إطار الصفقات العمومية، واليوم جاءت مذكرة وزارة الداخلية من أجل إيضاح جميع الجوانب التي قد تكون فيها علاقة لتضارب المصالح بين أي منتخب على مستوى المجلس الجماعي أو مجلس العمالة وكذلك الأعمال التي تقوم بها الجماعة في إطار اختصاصاتها، وهنا تكمن أهمية هذه المذكرة، خصوصا أنها تدخل في هذا المنظور والمرتبط أيضا بالالتزامات الدولية للبلاد، خاصة تفعيل اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الفساد.
إنه من المفروض أن يكون هناك قانون، ونذكر أنه خلال الولاية التشريعية، قدم فريق برلماني مقترح قانون بخصوص محاربة تضارب المصالح، وكما أن وزير الاقتصاد والمالية السابق قد صرح في جواب على هذا الفريق بالبرلمان على أن الحكومة بصدد إعداد مشروع قانون حول تضارب المصالح، لكن الولاية قد انتهت والمشروع لم يحل على البرلمان، والحكومة الحالية لم تتطرق إلى هذا المشروع في برنامجها الحكومي، وأتصور أيضا أنه اليوم من الواجب أن يرتبط موضوع تضارب المصالح، بكل المسؤوليات العمومية، وليس فقط بالانتداب الترابي، علاقة بالإدارات العمومية والبرلمانيين والمسؤولين السامين، ومسؤولي المؤسسات العمومية، لأن منع الجمع بين المصالح مسألة ضرورية في مشروع مكافحة الفساد في البلاد.
في غياب قانون مؤطر لمنع تضارب المصالح، هل الدوريات الصادرة عن وزارة الداخلية كفيلة بمواجهة هذا الأمر؟
فعلا فهذه الدوريات تكتسي الصبغة القانونية، على اعتبار أنها تكملة للمقتضيات القانونية التي جاءت بها القوانين التنظيمية، وبالتالي فتحصين تفعيلها، هو ما ستضطلع به آليات الرقابة، سواء تعلق الأمر بالمفتشية العامة لوزارة الداخلية، أو المفتشية العامة لوزارة المالية، وأيضا المجالس الجهوية للحسابات، وبالتالي فاعتقد أن هذا الأمر مهم جدا، وآليات الرقابة المالية من أجل تعزيز الحماية من هذا السلوك الذي يعد مظهرا من مظاهر الفساد المالي في ممارسة المسؤولية، والقانون واضح بخصوص العقوبات التي قد تصل حد العزل، على اعتبار أن أي مستشار يضع نفسه في موضع الجمع بين المصالح، فهو يعرض نفسه للمقتضيات القانونية التي يحددها القانون التنظيمي بهذا الخصوص، حيث ينص أساسا على توجيه استفسار للمعني بالأمر، وانتظار رده، وإذا ما تبين أنه ينتفع من مصالح مع الجماعة، كان يستفيد من صفقاتها، أو أنه يستغل ملكا جماعيا، أو يكتري محلا تابعا للجماعة وغيرها من مظاهر الانتفاع، يتم تحريك مسطرة العزل في حقه وإحالة الأمر للمحكمة الإدارية لإصدار القرار.
ما هي السبل الكفيلة لمنع تهرب المنتخبين من المساءلة في ملفات تضارب المصالح؟
إن القانون وضع منظومة متعلقة بالتصريح بالممتلكات، على الرغم من أن رئيس المجلس الأعلى للحسابات، أثناء مناقشة الميزانية الفرعية، قد صرح بشكل واضح بأنه سيتم الاشتغال بشكل مهم على تفعيل آليات التصريح بالممتلكات، وبطبيعة الحال هذا القانون والاشتغال على تفعيله وتجويده من شأنه أن يعزز محاربة الفساد الذي من أوجهه تضارب المصالح، ولعل هذا الغرض هو ما يفسر تعزيز الموارد البشرية للمجلس الأعلى للحسابات، ومراقبة والتدقيق في ملفات تضارب المصالح، مسألة سهلة على اعتبار أنها ترتكز على التدقيق في عقود وامتيازات أو مبالغ دعم وأوجه صرفها، إلى غيرها، وهنا يجب التأكيد على دور المؤسسات الرقابية وضرورة تعزيز آليات المراقبة، بالإضافة إلى دور جمعيات المجتمع المدني وآليات الديمقراطية التشاركية، وهو المهم أيضا في هذا المجال، ولابد من تفعيله، من أجل إعطاء دور مهم لمؤسسات المجتمع المدني في الكشف عن حالات التضارب، مما سيمكن السلطات المختصة، وخاصة وزارة الداخلية من تحريك التحقيقات اللازمة والمتابعة في حال ما إذا كانت هناك مخالفة.