محمد اليوبي
رصدت المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية، وجود تلاعبات في مواكبة الأحكام القضائية من طرف بعض رؤساء الجماعات، ما يجعلهم موضع شبهة بخصوص التواطؤ بعدم استئناف بعض الأحكام الصادرة ضد الجماعات.
وكشفت مصادر من الوزارة، أن مجموع المبالغ المحكوم بها ضد الجماعات الترابية وصل إلى أرقام خيالية بالملايير، وما يثير شبهة التواطؤ هو سرعة تنفيذ هذه الأحكام من طرف رؤساء الجماعات دون استكمال جميع مراحل التقاضي، رغم أن هناك أحكاما قضائية أخرى لا يتم تنفيذها، وما يؤكد هذه الشبهة، حسب ذات المصادر، هو أن العديد من الجماعات الترابية لا تقوم بالطعن في الأحكام والقرارات الصادرة ضدها عن طريق استئنافها أو نقضها قبل أن تكتسي قوة الشيء المقضي به.
وأفاد تقرير للوزارة أنه إلى غاية نهاية شهر شتنبر الماضي، تدخل الوكيل القضائي للجماعات الترابية في أكثر من 100 ملف قضائي يكتسي أهمية بالغة بالنظر للمبالغ المالية المطالب بها، أو لطبيعة بعض القضايا من حيث الآثار التي يمكن أن تترتب عنها، وسجل التقرير بذلك ارتفاعا ملحوظا تجاوز 150 % مقارنة مع السنة الفارطة والتي لم تتجاوز خلالها الملفات التي يتكفل بها الوكيل القضائي، ما مجموعه 40 ملفا، وأكد التقريرأن تدخل الوكيل القضائي للجماعات الترابية في بعض القضايا كان حاسما، حيث عمل على إخراج مجموعة من الملفات من المداولة، والتي كان من الممكن أن تصدر بشأنها أحكام في غير صالح الجماعات الترابية المعنية.
وحسب التقرير، فقد تم جرد الملفات التنفيذية المتوصل بها من طرف ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، ودراستها، وفي هذا الإطار، تم التركيز على إرساء خريطة للمخاطر القانونية من أجل ضبط نوعية وأهمية وأسباب إثارة المنازعات والعمل على تفاديها أو إيجاد حلول مناسبة لتقليصها، خلال المرحلة ما قبل القضائية، وبالتالي تقليص عدد الملفات التنفيذية المفتوحة، والتي تخص 2189 حكما نهائيا غير منفذ إلى غاية يونيو 2023، نفذ ما مجموعه 753 ملفا نهائيا، أي بنسبة تنفيذ بلغت 25,6 %.
وكان وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، قد وجه دورية إلى ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، حول تدبير المنازعات القضائية للجماعات الترابية، وتأتي هذه المذكرة بعد توصل الوزير بتقارير حول وجود تواطؤ لرؤساء جماعات في تنفيذ أحكام قضائية بالملايير لفائدة أشخاص يرفعون دعاوى قضائية ضد الجماعات بسوء نية.
وأكدت دورية وزير الداخلية، وجود مسؤولية قانونية لرؤساء مجالس الجماعات الترابية في تدبير منازعاتها، حيث أسندت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية لرؤساء مجالسها مسؤولية التمثيل والدفاع عنها لدى المحاكم، تحت طائلة ترتيب مسؤوليتهم عن كل تقصير أو إخلال بواجبات التمثيل أو الدفاع، وذلك حماية لمصالحها وحفاظا على حقوقها، وأشارت الدورية إلى أن التمثيل القانوني للجماعات الترابية لدى المحاكم، يقتضي من رؤساء مجالسها على الدفاع عن مصالحها أمام الجهة القضائية المعروض عليها النزاع مدعية كانت أو مدعى عليها، وذلك عن طريق إقامة جميع الدعاوى القضائية باسم جماعتهم الترابية، وتتبعها في جميع مراحل الدعوى، ومعرفة مآلاتها، مع وجوب إخبار المجالس بهذه الدعاوى المرفوعة عند أول دورة عادية أو استثنائية على رفع هذه الدعاوی كما يعهد إلى رؤساء المجالس مسؤولية تتبع الدعاوى القضائية المقامة ضد جماعاتهم الترابية والقيام بجميع الإجراءات أمام مختلف المحاكم بهدف ضمان تدبير جيد لهذه المنازعات، وتفادي صدور أحكام في غير صالحها.
وحث وزير الداخلية رؤساء الجماعات على ضرورة التأكد من مدى صحة ادعاءات المدعين، حيث إن تتبع المنازعات القضائية للجماعات الترابية، أظهر لجوء بعض المتقاضين إلى رفع دعاوى ضد هذه الأخيرة بسوء نية، وذلك من أجل استصدار أحكام قضائية بأداه مبالغ مالية لفالدتهم، وفي مثل هذه الحالات، يتعين على الجماعات الترابية المعنية أن تبادر إلى رفع دعاوى في مواجهة المعنيين بالأمر، وذلك من أجل المطالبة باسترداد هذه الأموال، وعند الاقتضاء، تحريك الدعوى العمومية في مواجهتهم.
ومن أجل تأمين الدفاع عن مصالح الجماعات الترابية أمام القضاء، فإن رؤساء مجالس هذه الأخيرة مدعوون إلى الاستعانة بمحامين لهذه الغاية وذلك في احترام تام للضوابط القانونية المعمول بها، مع الحرص على تنبع أداء المحامين والتنسيق المستمر معهم في مختلف المساطر، وذلك ضمانا لفعالية الدفاع الحسن تتبع الملفات الفضائية الموكولة إليهم.
وحسب الدورية، أوجب المشرع على رؤساء مجالس الجماعات الترابية السهر على اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بحفظ مصالح هذه الأخيرة في إطار المنازعات القضائية وتكريسا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن أي إخلال بهذه المهمة فد يرتب مسؤوليتهم في إطار المقتضيات المتعلقة بالمراقبة الإدارية.
وسبق للمجلس الأعلى للحسابات أن رصد اختلالات في متابعة الأحكام القضائية ضد الجماعات الترابية، حيث لاحظ قضاة المجلس من خلال تحليل المعطيات المتعلقة ب 1189 جماعة ترابية، أن ما يزيد عن 840 حكما ابتدائيا بقيمة 481 مليون درهم و2572 قرارا استئنافيا بقيمة 356 مليار سنتيم، اكتسب قوة الشيء المقضي به، وذلك بعد أن أصبحت هذه الأحكام والقرارات نهائية نظرا لعدم تفعيل مسطرة الاستئناف والنقض داخل الآجال القانونية، وهذا القصور يؤدي إلى تفويت الفرصة على الجماعات الترابية من أجل الحفاظ على مصالحها وتفادي تحميل ميزانياتها أعباء مالية إضافية، كما أن الجماعات لا تولي الاهتمام الكافي لتحصيل المبالغ المالية المحكوم بها لصالحها.