شوف تشوف

الرأي

 رأس العام بالأبيض والأسود

يونس جنوحي

تذكرنا أجواء رأس السنة الحالية بالفترة التي كان فيها المغرب يعيش على إيقاع الحجر الصحي، أو ما كان يصطلح عليه وقتها بـ”الكرنتينة”. حدث هذا قبل أزيد من مائة وعشرين سنة.

وقتها كان الحجر الصحي يعني الإقفال التام. الناس كانوا يخافون من عملاقين: الجوع والكوليرا. وبما أن أجدادنا تآلفوا مع الجوع فإنهم بقوا يخافون من الكوليرا أكثر من خوفهم من لقاء عزرائيل.

حكى صحافيون وأطباء عن هذه الفترة بكثير من الانتقاص من المغاربة كما لو أن الكوليرا تصنع محليا. بينما كانت الأوبئة تأتي دائما من وراء البحر. كتب الأجانب الذين أقاموا في المغرب آلاف الرسائل، بعضها يعود إلى هذه الفترة بالذات، خصوصا سنة 1906، حيث أغلقت مدن الصويرة وفاس وطنجة ومنع الناس من السفر واضطروا إلى قضاء رأس السنة الميلادية في غرف الفنادق الضيقة وعقولهم في ساحات أوروبا وحفلاتها.

ووقتها لم يكن هناك تطرف في المغرب، لا أحد كان يسأل الأجانب عن إحيائهم لأعياد رأس السنة الميلادية.

لكن ما ضاع وسط هذا الزحام، ما يتعلق بالحجر الصحي الذي فرض على الحجاج المغاربة الذين توجهوا إلى الحج في تلك السنة واضطروا بدورهم إلى عيش مأساة حقيقية بسبب هذه “الكرانتينة” التي لم يكونوا أبدا يؤمنون بجدواها. ولولا أن الأمر صدر من القصر الملكي بمنع الحجاج من الاختلاط بالناس بعد وصولهم إلى المغرب، لما امتثل أحد للتعليمات.

حكى مؤرخون أبرزهم الضعيف الرباطي وأيضا محمد بن الحسن الوزاني عندما أثار موضوع تاريخ الحج، عن فترة الحجر الصحي التي قضاها الحجاج المغاربة عند وصولهم إلى الأراضي المقدسة بحرا وعودتهم منها، حيث كانت الأجواء عصيبة وعانى خلالها الحجاج المغاربة من سوء المعاملة من قادة السفن الذين كان أغلبهم أوروبيين.

نزعت من الحجاج ملابسهم بالقوة ورميت في الماء الساخن وتحلل أغلبها من كثرة عمليات الغلي، حتى أن بعض الحجاج لم يجدوا ما يلبسونه عند عودتهم إلى المغرب واضطروا إلى ملازمة ظهر البواخر التي أقلتهم بعد عدم السماح للربابنة بإنزال الحجاج عند وصولهم إلى المغرب.

“الكرنتينة” حفرت في ذاكرة أجدادنا المغاربة لكنها لم تصل إلينا رغم غزارة التاريخ الشفهي. كيف عاش المغاربة القدامى فترات حجر صحي عصيبة لم يكن فيها أي وجود للدعم ولا لإجراءات احترازية. كان هناك إجراء واحد هو حظر التجوال ليل نهار لأربعة عشر يوما كاملة ومعاقبة كل من يخالف التعليمات بالسجن.

بينما كان الحجاج الذين غادروا المغرب وعادوا إليه والطاعون يلتهم ضحاياه، قد عاشوا أسوأ أيام حياتهم. حتى أن أحد المجانين وصف الذين أدوا الحج في تلك الأجواء حيث تعرضوا لسوء المعاملة في مصر ثم عند وصولهم إلى الحج، بأن أغلبهم كانوا من القياد الذين عرفوا بالقسوة ومصادرة ممتلكات البسطاء في مناطق نفوذهم أيام السيبة.

وها نحن، بعد أزيد من قرن وعشرين عاما على هذه الأحداث، نرى كيف أن متحور الوباء جعلنا نضع أيدينا على قلوبنا مرة أخرى. لكن بدل أن نتساءل عن سلامة المغاربة خلال فترة رأس السنة التي يصبح فيها المغرب قبلة للمشاهير والأثرياء والسياح العاديين أيضا لاستقبال العام الجديد في المدن المغربية، لا يزال أغلبنا يطرحون نفس النقاش: هل يجوز الاحتفال مع النصارى برأس السنة؟ وهؤلاء طبعا يجدون الجواب على الأرصفة وبين رفوف المخابز، حيث الذين يقتنون الحلوى أكثر من الهم على القلب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى