ذهنيات الوزراء
في أسبوع واحد ترأس رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اجتماعا للجنة الوزارية للاتمركز الإداري، ثم حضر الجلسة البرلمانية الشهرية بمجلس المستشارين والتي خصصت لمحور اللاتمركز. وكل هذه الدينامية المؤسساتية تحاول الإسراع بالتفعيل الكامل لمضامين الميثاق الوطني للاتمركز الإداري وترجمته على أرض الواقع، لما له من آثار مباشرة على الرفع من جاذبية الاستثمار وتسهيل حياة المواطنات والمواطنين وتقريب الإدارة منهم، وكذا ارتباطه المحوري باستكمال تنزيل ورش الجهوية المتقدمة.
والحقيقة أنه منذ دجنبر 2018، تاريخ المصادقة على المرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري بعد تعليمات ملكية صارمة لحكومة العثماني بسبب التأخر في إخراجه، ظل تنزيل هذا المرسوم أصعب من تنزيل الدستور نفسه، بل إن تضخم الإصلاح الزائف حول اللاتمركز أصبح يشبه إلى حد بعيد موضة الأزياء التي تسبب ضجة وقتية ثم تذهب أدراج الرياح بلا تأثير حقيقي، لأن كلام الليل يمحوه النهار.
إن مسألة تنزيل اللاتمركز بما يقتضيه من تفويض للاختصاصات المركزية للقطاعات الوزارية للمسؤولين الجهويين لا تتعلق بوجود مرسوم أو لجان وزارية ومذكرات، بل تتعلق بذهنيات الوزراء بالدرجة الأساس وعقليات المسؤولين المركزيين التي تُدير الشأن العام، فالنصوص لا تغير النفوس كما يقال ولا يمكن تغيير مجتمع بمرسوم.
والأكيد أن جزءا من التأخر في تنزيل اللاتمركز يوجد بمحيط رئيس الحكومة، فكم من وزير وضع تصميمه المديري وطبقه؟ وكم من وزير فوض اختصاصاته في التوظيف وإعداد الميزانية للمسؤولين الجهويين وكل الصلاحيات التقريرية لتنزيل الجهوية كما ابتغاها؟ وكم من وزير وضع خطته لتحقيق وحدة عمل القطاعات الوزارية على مستوى الجهات؟
والمؤكد أن هناك من الوزراء من يتذرعون بأسباب واهية من أجل فرملة تفويت الاختصاصات حفاظا على مركزيتها وسلطويتهم، فهناك من الوزراء من يفهم أنه حينما يتنازل عن اختصاص التوظيف للمديرين الجهويين فإن هيبته وصورته ونفوذه وامتيازاته ستتضرر، لذلك يبقي الحسم في كل صغيرة وكبيرة في مكتبه بالرباط، وهذا هو أكبر معيق لتنزيل اللاتمركز، ومادام أن الوزراء لا يسارعون إلى التنازل عن اختصاصاتهم، فإن دار لقمان ستبقى على حالها وسيبقى الحديث عن اللاتمركز مجرد رسم في الماء.