شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ذكريات مع سيادة الرئيس

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

 

الأعلام المغربية التي ترفرف هذه الأيام على صفحات المجلات والصحف وشاشات التلفزيون الفرنسي، تفوق بالتأكيد أعداد الأعلام الفرنسية التي ترفرف فوق سماء الرباط.

مشهد الرئيس إمانويل ماكرون وهو يترجل من السيارة الملكية ليحيي المغاربة الواقفين لتحية الموكب الملكي، يُعيد إلى الأذهان الأيام المجيدة التي كانت خلالها الصداقة المغربية الفرنسية في أوجها.

 

هناك احتفاء بالاتفاقيات التي وقعت بين المغرب وفرنسا، وهو ما جعل محللين فرنسيين يذهبون في اتجاه التنويه باستعادة الجمهورية الفرنسية مكانتها الاعتبارية التي تليق بتاريخ الفرنسيين المشترك مع المغاربة منذ أيام المولى إسماعيل ولويس الرابع عشر!

في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك، في فترة التسعينيات، وخلال الولايتين اللتين قضاهما في قصر الإليزيه، كان المغرب في صدارة الدول التي تحظى باهتمام فرنسا ليس فقط في شمال إفريقيا، ولكن أيضا في علاقتها بالدول الإسلامية عموما.

أغلب الفرنسيين الذين تأثروا بشخصية شيراك أو يترحمون على أيامه يعلمون أنه قضى طفولته في المغرب وبالضبط في مدينة تارودانت التي جاء إليها رضيعا في لفيف من الثوب. قطع به أبواه البحر ثم شقا طريقهما برا ليصلا إلى تارودانت الهادئة التي قضى بها فترة أربعينيات القرن الماضي ودفن فيها جده.

أحياء قصبة تارودانت كانت مسرحا لطفولة جاك شيراك، وعندما أصبح لاسمه رنين في عالم السياسة منذ أيام الرئيس “بومبيدو” الذي ترأس فرنسا نهاية الستينيات، لم يكن شيراك يخلف وعده مع تارودانت وواظب على زيارة قبر جده، في مقبرة النصارى، والذي ربطته به علاقة خاصة جدا.

لكن اهتمام المغرب بشيراك بدأ بالضبط عندما أصبح عمدة لمدينة باريس، قبل أن يصبح رئيسا. غيّر شيراك مكان إقامته في الفنادق ليحل ضيف شرف بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني على تارودانت، وصارت جولاته بين أزقة القصبة بحثا عن حفريات الذاكرة وأيام الصبا لا تتم إلا بحضور شخصيات رسمية كان دائما يجد طريقة للتحرر منها بكل لباقة لكي يعود أدراجه إلى الحي الذي قضى به طفولة مغربية بين المغاربة، حتى أنه واظب وهو رئيس للجمهورية الفرنسية، على زيارك منازل جيران والده وأصدقاء جده الذين بقي قلة منهم فقط على قيد الحياة.

لم تُنس الكاميرات والأضواء والسجاد الأحمر والطائرة الرئاسية جاك شيراك في صينية الشاي التي كان يجلس إليها طفلا مع صديق جده، وهو أحد أبناء الحي العتيق في قلب تارودانت الشعبية. وعاد ليبحث عنه وقتها إلى أن عثر عليه وشرب معه الشاي بعيدا عن عدسات الصحافة.

وانتشر في تارودانت مع نهاية التسعينيات خبر مفاده أن الرئيس شيراك سهل حصول حي بكامله في تارودانت على التأشيرة نحو فرنسا، وتكلف بنقل وعلاج مرضى من حي القصبة الشهير ومكفوفين من أبناء المدينة لإجراء عمليات جراحية في فرنسا وسهل لهم الحصول على وثائق الإقامة.

بقي شيراك مواظبا على قضاء فترة نهاية السنة الميلادية في تارودانت إلى آخر احتفال برأس السنة في حياته.

يقال إن مجد العلاقات المغربية، عبر التاريخ، عرف دائما فترات برود سياسي. لكن هذا البرود كان دائما يكسره استئناف للعلاقات الودية التي جمعت البلدين حتى قبل مرحلة الحماية، وبعد الاستقلال أيضا.

المولى إسماعيل الذي توفي سنة 1727، عاصر لويس الرابع عشر، أشهر من حكم فرنسا وصاحب أطول فترة حكم في العالم. وكانت العلاقات بين المغرب وفرنسا في عهدهما تشهد الكثير من التذبذب ووصلت حد القطيعة بسبب ملف الأسرى بين البلدين. لكن الأزمة انتهت بإطلاق سراح الأسرى وإبرام اتفاقيات، ووصل الود بين الرجلين حد انتشار خبر لم ينفه القصر الفرنسي، يتعلق بزواج المولى إسماعيل من ابنة لويس الرابع عشر، في سابقة من غرائب التاريخ. لم يتم الزواج بطبيعة الحال، لكن سوء الفهم الكبير منذ ذلك الوقت، استقر في كتب التاريخ وخلت سماء السياسة من السحب!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى