ذكريات التكوين القاسي.. وهكذا أصبح رئيس تحرير مجلة الجيش
يونس جنوحي
إلى مدينة البليدة توجه هشام عبود بعد تخرجه في أكتوبر 1978، لكي يلتحق بتكوين ضباط الجيش الاحتياطي، وهو التكوين الذي التهم تسعة أشهر من حياته كانت كافية لإعادة «ولادته» من جديد، وأيضا لكي يضع نفسه أمام مسار كلّفه الكثير.
ضابط صحافي
من كتابة المقالات الصحافية في الرياضة والسياسة مع صحف كانت تتمتع بنوع من الشعبية بين الجزائريين، إلى التكوين العسكري الذي وصفه هشام عبود بالقاسي. ورغم أنه قضى سنوات ما بين مرحلة حصوله على الباكالوريا وبين التحاقه بمركز تكوين ضباط الجيش الاحتياطي، في إطار الخدمة المدنية في الجزائر، في كتابة المقالات والتحصيل العلمي، إلا أنه وجد نفسه في مدينة البليدة مضطرا إلى خوض تجربة تكوين بدني مُضن وقاس.
عندما كتب مذكراته سنة 2002، والتي هاجم فيها الجيش الجزائري وكشف أكثر التفاصيل همجية ووحشية داخل أسوار مؤسسة الجيش، حاولت المؤسسة العسكرية، وقتها، أن تُرغم بعض خريجي دفعته لسنة 1979 لكي يخرجوا في الصحافة ويتحدثوا عن فترة التكوين التي قضاها معهم، حيث اتهموه بالخمول والدهاء، بل هناك من اتهمه بممارسة بعض التصرفات المُشينة في قسم إقامة الطلبة.
لكن مسار هشام عبود بعد هذا التكوين، ينفي تماما أن يكون ما نُسج عنه صحيحا.
رئيس التحرير الشاب
يقول هشام عبود في مذكراته، متحدثا عن فترة التكوين التي استغرقت أشواطا من سنة 1979: «في هذه السنة، نجح فريقنا في حصد اللقب والبطولة العسكرية للجزائر، معا. حيث فزنا بجميع المباريات. ويجب أن أقول إن تعطشنا للفوز كان يتضاعف عشر مرات بعد كل رخصة يومين أو ثلاثة أيام إجازة تُمنح لنا بعد كل فوز.
انتهى التكوين. وتم إلحاقي بهيئة تحرير المنبر الشهري «الجيش»، في قسم الصحافة السياسية. شهرا واحدا بعد ذلك، تمت ترقيتي لأصبح رئيس تحرير النسخة الفرنسية».
كيف يمكن، إذن، لشاب كان لاعبا في فريق كرة القدم العسكري الذي حصد لقبين في السنة نفسها، أن يكون غير مؤهل للتكوين.
وكيف يمكن، أيضا، تفسير الحملة التي شُنت ضده والتي استهدفت كفاءته العسكرية والعِلمية، في الوقت الذي عُين فيه، شهرا فقط بعد التحاقه بمجلة «الجيش»، رئيسا للتحرير لنسختها الفرنسية، وهو ما يعني أنه كان موضع ثقة كبيرة، كما أن المشرفين على الصحافة داخل المؤسسة العسكرية لمسوا فيه الكفاءة التي تؤهله لشغل المنصب، وهو ما لم يكن سهلا، خصوصا وأن أغلب أطر الجيش الجزائري وقادته كانوا قد حصلوا على تكوين فرنسي، بل إن جلهم لم يكونوا يتحدثون اللغة العربية نهائيا، ويتحدثون حتى في أحاديثهم الخاصة باللغة الفرنسية.
وبدأ الفيلم..
لا حاجة هنا طبعا لكي نقول إن قصة هشام عبود تصلح لفيلم عالمي، لأنها كذلك فعلا وقد سبق لصحافيين فرنسيين أن خلصوا إلى هذه النقطة. لكن حساسية المعلومات التي تضمنها كتابه، وضخ النظام الجزائري للأموال في جيوب شركات فرنسية، حال وإنتاج فيلم اعتمادا على هذه المذكرات المثيرة. ولو أنها مثلا تُرجمت إلى الإنجليزية، لربما أغرت بعض المنتجين الأمريكيين المهتمين بأفلام عن الدول التي تئن تحت رحمة أنظمة عسكرية قاسية، لإنتاج فيلم اعتمادا على قصة هشام عبود.
شنت الجزائر سنة 2002 حربا ضد الكتاب إلى درجة أن هشام عبود اتهم النظام بشراء نسخ من كتابه ومصادرته حتى لا يصل إلى القراء، ولم تكن النسخ الإلكترونية وقتها متاحة لكي تصل إلى القراء في الجزائر. لكن حرص بعض المعارضين تُوج بنجاحهم في إدخال نسخ إلى البلاد حيث جرى نسخها بآلات النسخ العادية وتم تداولها بشكل سري داخل البلاد، وعلى نطاق واسع.
بدأت علاقة هشام عبود بمكاتب الجنرالات، عندما كان يتجه بصفته رئيسا لتحرير النسخة الفرنسية لمجلة «الجيش»، لإجراء مقابلات مع المسؤولين عن دواوين هؤلاء الجنرالات.
شخصياتهم مثيرة للفضول، والحكايات التي يسمعها هشام عبود عن ثروة بعضهم وبطش آخرين وارتكاب بعض الأسماء لجرائم ضد الشعب، كلها معلومات كانت تغذي فضوله الصحافي لاكتشاف ما يقع في تلك الفترة. أي ما بين سنتي 1979 و1980.
فهل كانت تلك مجرد إشاعات تداولها الرأي العام عن المؤسسة العسكرية؟ كانت تلك فرصة هشام عبود لكي يكتشف الحقائق، خصوصا وأنه بدأ ينشئ علاقات وطيدة مع بعض مسؤولي التواصل في مصالح مؤسسة الجيش المركزية، وهي بناية لم يكن ولوجها متاحا للعموم، ومجرد الحصول على «شارة» تجاوز بواباتها الحديدية، كان يعني أن حاملها من أصحاب الحظوة، بل ومن القلائل المحظوظين الذين يمكنهم أن يفعلوا ما يشاؤون تماما في الجزائر.