شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

درس من الكلاسيكو

حسن البصري

يتابع المغاربة الكلاسيكو الإسباني بحماس، ويعتبرونه درسا سنويا في الكرة الحديثة وفي الشغف الجماهيري. ونظرا لجاذبيته الكبرى تنظم من أجل عيونه وكالات أسفار مغربية رحلات إلى برشلونة أو مدريد للاستمتاع بطبق كروي يجفف منابع القلق من بطولة مغربية غابت عنها الفرجة وحضرت الهشتاغات.

إذا حل موعد الكلاسيكو الإسباني تداعت له سائر مباريات البطولة المغربية بالسهر والحمى. فالمغاربة، منذ الإرهاصات الأولى للصراع الأبدي بين المدريديين والبرشلونيين، انقسموا بين عاشق للنادي الملكي ومتيم بالبارصا، فتوارث الأبناء والأحفاد الجفاء.

عندما يأتي مساء الكلاسيكو الإسباني تشتعل المناقرات بين المعسكرين وتعيش المقاهي حالة تأهب قصوى لحدث قد يبدو للنادل غريبا عنا، بينما يعتبره صاحب المقهى مكسبا تجود به إسبانيا مرتين في السنة.

صرف المغاربة النظر عن بطولة بدون جمهور وعن مباريات تنتهي بوصلة رمي المقذوفات، وحصة شتم في حق آباء وأمهات اللاعبين والمدربين، ولافتات كتبت بالرمز تارة والهمز تارة أخرى.

لم يعد الكلاسيكو بضاعة إسبانية مهربة، فقد منحنا دياز ولامين شرعية المتابعة وحق النقد وفرصة الفرح والزعل.

نسي المغاربة موقف الفتى لامين جمال حين فضل حمل قميص المنتخب الإسباني رافضا الاصطفاف في تشكيلة منتخبنا المغربي، ومع كل لمسة من هذا اللاعب الواعد نبتلع رفضه ونبحث له عن عشرات المبررات.

وحين تأخر إقحام مدرب الريال للاعبنا المغربي دياز، تمنينا ألا يحرمنا من مواجهة مغربية تشد الأنفاس.

انهزم ريال مدريد برباعية، وتعطلت لغة الإبداع عند مبابي ورفاقه، وتبين أن الأمسية هي ليلة البارصا بدون منازع.

لم يتعرض لاعبو الريال للرشق بالقارورات، لم يركض البوليس المقنع في بذلة رياضية لتطويق الحكام عقب المباراة، لم يتعرض أنشيلوتي للشتم والسب، لم يقاطع الندوة الصحافية، وحدها تقاسيم الغضب تفضح قلقه.

في «لازون ميكست» يتوقف اللاعبون أمام ميكرفونات الصحافيين للرد على أسئلتهم، ثم ينسحبون في هدوء، بالقرب من الحافلة لا يمتنعون عن أخذ صور مع مشجعين وتوقيع «أوتوغرافات» للمتيمين، لأنهم يؤمنون بأن الكرة فيها انتصار وتعادل وهزيمة.

في نهاية مباراة الوداد الرياضي ونهضة بركان، كان مشهد الصحافيين وهم يستجدون تصريحا من لاعبي الوداد مثيرا للشفقة وللسخرية أيضا، كان اللاعبون يمرون من المنطقة المختلطة وهم يضعون على آذانهم سماعات هواتفهم، بينما تتعالى أصوات الاستجداء:

«خويا مطيع شي تصريح، خويا حركاس عفاك غير سؤال، خويا بونا عمر كلمة من فضلك حول المباراة..» لا أحد يلتفت لجيش الصحافيين المرابط في هذه المنطقة. وما حصل من استجداء للتصريحات في ملعب العربي الزاولي يحصل في أغلب المباريات ويضرب في العمق ما تبقى من كرامة الصحافي.

لهذا سنجد مبررا لهروب المتلقي المغربي نحو الضفة الأخرى للتملي بطلعة الكلاسيكو، هذا الطبق الكروي الذي احتل قلوب المغاربة اللاهثين وراء فرجة خالية أو ذات منسوب قليل من الشتم الذي يلاحق يامال تارة وفينيسيوس تارة أخرى.

ومن شدة التعلق بأهداب هذه القمة الكروية، تحول الكلاسيكو إلى ابتلاء يرفع ضغط الدم ويعبث بالأطراف.

زميلنا المراكشي افتقد القدرة على متابعة هذه المباراة، وهو العاشق الأبدي للريال، يغادر بيته في فاس ويتوجه صوب زرهون ويعرج على إفران وهو يلتهم الدقائق، وحين يشعر بأن زمن المباراة استنفد دقائقه يعود إلى بيته ويجلس أمام التلفاز ليعرف النتيجة ويبتلع المرارة جرعة واحدة، بدل مرارة بالتقسيط.

في أكادير فشل حفل فني من تنشيط الفنانة سعيدة فكري، غاب الجمهور وغابت الفنانة وحضر منظم الحفل يعلن اعتذاره. لكن الراسخين في تنظيم المهرجانات ظلوا ينبهون إلى خطورة تنظيم حفل ساهر ليلة مباراة تشد الأنفاس.

 إنها متعة الكلاسيكو لمن استطاع إليه سبيلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى