شوف تشوف

الافتتاحية

درس في حقوق الجوار

أعطى الملك محمد السادس تعليماته لوزيري الداخلية والشؤون الخارجية، من أجل التعبير لنظيريهما الجزائريين، عن استعداد المغرب لمساعدة الجزائر في مكافحة حرائق الغابات التي تشهدها العديد من مناطق البلاد، وتعبئة طائرتين من طراز «كنادير»، للمشاركة في هذه العملية، بمجرد الحصول على موافقة السلطات الجزائرية.
للأسف قوبلت الإشارة الملكية بنوع من التجاهل، وهذا أمر معتاد من حكام البلد الجار، فكلما تقدم المغرب خطوات إلى الأمام في خطاب التهدئة والتعاون والمصالحة، يصدمنا حكام الجزائر بالمزيد من التعنت والتجاهل وسياسة الهروب إلى الأمام.
قبل بضعة شهور، تناسى الغريمان تركيا واليونان خلافاتهما التاريخية على إثر الزلزال الذي تعرضت له أجزاء من البلدين على بحر إيجه، وعمل الطرفان على مواجهة تداعياته دون استحضار ثقل الخلافات بين أنقرة وأثينا، وتمكنا بفضل التوحد على صيغة مشتركة في مواجهة هاته الكارثة، وإخراج المنطقة من ويلات الزلزال بأقل الخسائر الممكنة، لكن مثل هاته الدروس التاريخية التي تغلب مصلحة الشعوب على حسابات القادة السياسيين لن تستطيع اختراق أذهان حكام الجزائر.
لا يستوعب قادة الجزائر أنه أيا ما وصل عمق الخلافات بين البلدين ومهما كانت أسبابها المختلقة، ففي أوقات الكوارث يتعين على الدولتين والشعبين أن يضعا خلافاتهما جانبا وأن يقفا معا دون حسابات ضيقة، وفي هذا السياق جاءت إشارة ملك المغرب كتعبير تاريخي وإنساني وقبل ذلك كتجسيد لمبدأ الأخوة بين الشعبين المغربي والجزائري، فالجوار بين الدول له حقوق، من أهمها أن تغيث دولة جارتها إذا استغاثت أو إذا تعرضت لكارثة طبيعية، وهو ما تقوم به الدولة المغربية في تعاملها مع ما يقع بالشقيقة الجزائر دون رواسب الماضي.
فملك المغرب مقتنع تمام الاقتناع بأن الروابط المتينة تاريخيا ودينيا وثقافيا بين المغرب والجزائر تشكل أرضية صلبة لا يمكن تجاهلها، رغم سحابة الصيف التي يمكن أن تخيم على سماء العلاقات بين الجارين، لذلك فما فتئ يقدم الإشارات تلو الإشارات في مواجهة المصير المشترك وحشد الإمكانيات لتجاوز صعوبات، وعليه لم تكن دعوات اليد الممدودة التي أعلنها وسيظل يعلنها بإصرار الملك محمد السادس مجرد شعار للاستهلاك الدبلوماسي أو رغبة ذاتية، بقدر ما هو خيار استراتيجي في أوقات الرخاء كما في ظروف الكوارث والشدائد.
في الحقيقة إنه لأمر مؤلم حقا أن تقبل السلطات الجزائرية مساعدة دول كفرنسا وإيطاليا وأخرى بعيدة جغرافيا، وترفض مبادرة بلد شقيق، فقط لكي لا يسجل في سجله أنه قدم يد العون أو لأنه سيهدم بمبادرته هاته أسطورة العدو الخارجي وتسويق سردية «المغرب مصدر الشرور».
على حكام الشقيقة الجزائر أن يدركوا أن المغرب لا يسعى إلى بطولات ولا يحتاجها أصلا، وإذا أراد أن يلعب دور البطولة فيفعل ذلك في الزمن المناسب والفضاء المناسب، وليس في زمن المآسي والكوارث خصوصا إذا حلت بجار شقيق يجمعنا به أكثر ما يفرقنا.
ما يطلبه المغرب من سلطات جارنا الشرقي هو فقط تعطيل الخلافات البينية للحظة، ريثما يهمد الحريق وتنجو الأنفس والأرض والزرع من الهلاك وتعود الأمور إلى نصابها وآنذاك للسلطات الجزائرية واسع النظر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى