حسن البصري
لم يكن درب لوبيلا ضمن اللائحة السوداء للأحياء التي تعاني من هشاشة البنيان، لم تكن مساكنه مصنفة في خانة الدور الآيلة للسقوط، ولم يكن مخطط إعادة الإعمار يشغل بال السكان، بل لم يكن الحي يوما مزارا للجان الترحيل وأقسام التعمير.
لقد بدا وكأنه غير معني بما يحصل حوله. فجأة سقطت عمارة سكنية في عز لياقتها الإسمنتية وتهاوت كالعهن المنفوش، فساد الرعب الدرب بعد أن تناقلت وسائل الإعلام ومنصات التواصل مشهد البناية وهي تتهاوى، لتعلن موتها الفجائي.
تبين أن المباني السكنية مثل الجسد إذا اشتكت بناية من الهشاشة تداعى لها باقي السكان بالسهر والحمى والخوف، وأصبحت المباني المجاورة معرضة للإفراغ الاحترازي، دون أن تكون لها يد في الفاجعة.
لكل حي في الدار البيضاء أطلال وبقايا حطام عمارة سقطت سهوا، لكل تجمع سكني أنقاض سقطت بالتقادم، وبنايات عليها لافتات تحذر من الاتكاء على جدرانها الرطبة، من درب السلطان إلى درب مولاي الشريف إلى بوركون وسباتة، وحين تزول الأنقاض، يمضي كل إلى غايته، ويبدأ الضحايا مسلسل البحث عن الفاعل والمفعول به والمفعول لأجله.
زار مسؤول من مجلس المدينة موقع نكبة درب لوبيلا، تحلق حوله المتضررون والمتعاطفون وصناع محتويات الإثارة والفضوليون وشهود على مصرع البناية، والمخبرون.
أعاد عليهم نفس الخطاب الذي قاله سابقه في نكبة عمارة بوركون، ووزع أقراص الاطمئنان، ثم قال لهم:
احمدوا ربكم الذي جعل العمارة تهوى، دون أن تزهق أرواحكم.
وبعد الحمدلة وعدهم بتشكيل خلية أزمة وفتح تحقيق مفصل حول النكبة، ودعا كاتبه الخاص إلى تدوين مقترحات المتضررين.
قال لهم: هاتوا شكواكم نحن هنا لنصغي إلى مآسيكم، وننزل أشد العقاب بالمتسببين في النكبة.
رد عليه رجل وقور بلغ من الكبر عتيا:
سيدي، لقد مات كثير من المتضررين من وعود إعمار عمارة بوركون، قبل أن تتحقق توصيات خلية الأزمة.
لا يعرف كثير من أفراد الخلية أن درب لوبيلا، ليس مجرد تجمع سكني ينام على ضفاف شاطئ الدار البيضاء، بل هو خلية نحل منحت المغاربة العسل والشهد في كثير من المجالات.
كان درب لوبيلا معبرا للنجومية، قبل أن يحوله المضاربون إلى مجرد تجمع سكني، أنجب الشاذلي، بطل المغرب وإفريقيا في رياضة كرة الماء، وزبيدة بانا، بطلة المغرب في السباحة، حين كان المسبح البلدي من معالم الحي، فضلا عن لاعبين حملوا قميص الوداد والرجاء والجيش و»الراك» والمنتخب الوطني، نذكر منهم التيسير وفناني وسامبا ولاركو وامبيريك والسقاي ومماريس والحارس جكار والروك واللائحة طويلة.
درب لوبيلا الصامد ضد محاولات التهجير، بعد أن أصبح تراب الحي يساوي سعر الذهب، أنجب كبار المقاومين كالقادري والتيباري والسارتي والساحقة، وفنانين من طينة الزعري ومؤثرين كأبي حفص.
في تربة الدرب، وتحديدا في مقبرة أهل فاس، يرقد جثمان كبار شخصيات المدينة، وفيها قبر ثريا الشاوي وضحايا سنوات الرصاص، وآخر الملتحقين جثمان الفنان عبدو شريف.
أبناء درب لوبيلا الأقدمون عاشوا أجواء ملعب «لامارين»، وملعب برادة وملعب بن ابراهيم، قبل أن يزحف الإسمنت المسلح على هذه الملاعب المتربة ويحولها إلى مساكن، ويمسح من الذاكرة مرتع نجوم الكرة المغربية الذين تخرجوا من هذه الفضاءات المتربة.
أبناء الحي الذين لم يسعفهم الحظ في دراستهم وأعمالهم، كانوا يقتاتون من جود المعرض الدولي، قبل أن يتم ترحيله إلى العاصمة، ومنهم من ينتزع قوت يومه حول مسجد الحسن الثاني أو كورنيش عين الذئاب.
لا نريد أن يتحول درب لوبيلا يوما إلى درب التروبيلا، يتعايش فيه السكن الاقتصادي الهش مع العمارات وناطحات السحاب، ويظل شباب الحي مجرد «ميتر ناجورات».