شوف تشوف

الرأي

دبلوماسيون مشوا فوق الألغام

 

يونس جنوحي

 

كل من تابع مجريات القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في الجزائر، لا بد وأن «يقلق»، حتى وإن لم يسمع تعليقات الصحافة والمحللين. الصور القادمة من هناك وحدها كافية لبث الحيرة، خصوصا وأن شعار القمة «لمّ الشمل» وليس أي شيء آخر.

قبل أن تنطلق القمة، جاءت إشارات كثيرة من الجزائر مفادها أن آخر ما قد يهم المشرفين على «اللمة» على الإطلاق هو «لم الشمل»؛ إذ إن الدولة التي استضافت وزراء الخارجية العرب الذين وافقوا على الحضور، هي نفسها الجهة التي تغلق مجالها الجوي أمام المغرب، الذي يتشارك معها أطول خط حدودي يربطها بأي دولة أخرى. بالإضافة إلى أن التصريحات الرسمية المستفزة لدولة عربية أخرى لم تصدر إلا عن الجزائر تُجاه المغرب، ورغم كل هذا فإن القمة العربية عُقدت في الجزائر، واعتذر عن حضورها أغلب الرؤساء والملوك.

أما مسألة تعمد وضع خريطة الدول العربية مبتورة عنها الصحراء المغربية، فتلك قصة أخرى وضعت المنظمين في الزاوية، وظهر بالواضح أن القائمين على القمة يريدون استفزاز المغرب، قبل أن يعودوا ويسحبوا الخريطة المُعلن عنها ويعوضوها بأخرى تعترف بها الجامعة العربية.

بل إن الجزائريين أنفسهم سخروا من مسؤولي بلادهم، وذهبوا إلى درجة التعليق على تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون، متهمين إياه بأنه يفتقر إلى التجربة والحنكة الدبلوماسية، التي تؤهل صاحبها لاستقبال رؤساء الدول الأخرى ومقارعتهم سياسيا.

أما ما وقع لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، فإنه لا يعدو أن يكون سوى بعض من الأعراض الجانبية التي يجب أن يتحملها وزير خارجية دولة، لديها متربصون ومشوشون على قضيتها الوطنية الأولى. إذ إن وزراء الخارجية المغاربة، أو المكلفين بالمهام الدبلوماسية، الذين حملوا رسائل الملك الراحل الحسن الثاني إلى رؤساء عرب، من طينة صدام حسين والقذافي وحافظ الأسد، كانوا دائما ينزلون من الطائرة ولا يعلمون إلى ماذا سوف تؤول الأمور، خصوصا وأن بعض المهام التي جاؤوا من أجلها لم تكن هينة أبدا.

إذ سبق لعبد الهادي بوطالب وعبد الهادي التازي ومولاي أحمد العراقي وعبد اللطيف السملالي وأحمد السنوسي وآخرين أن ذهبوا للقاء رؤساء كانوا يريدون دخول حرب مع دول أخرى، أو أصدروا قبل ساعات فقط بيانات نارية ضد المغرب.

أما موضوع الإعداد للقمم العربية أيام كان هؤلاء الرؤساء يسبون بعضهم البعض وسط القاعة، فقد كان بدوره لا يختلف أبدا عن مفاوضات تسليم الرهائن، بعد توقف الحروب. إذ إن عبد الهادي بوطالب عندما نزل في ليبيا لتبليغ رسالة من الملك الحسن الثاني، تصادف وجوده في الفندق، مع وصول القذافي إلى السلطة، وقضى ساعات لا يعلم خلالها ما إن كان سوف يرى ضوء النهار مرة أخرى، قبل أن يسمح له القذافي بالمغادرة.

أما مولاي أحمد العراقي فقد كان عليه أن يتعامل مع غضب صدام حسين ضد السعودية، وأن يقنعه بحضور القمة العربية في عز الحرب ضد إيران، ولم يكن يعلم ما إذا كان صدام سوف يسمح له أصلا بالمغادرة، أم أنه سوف يحتفظ به بسبب توتر علاقة صدام مع أغلب الملوك العرب.

ذهب كل هؤلاء إلى دار الحق. سقطت أنظمة وجاءت أخرى، تغيرت أمور كثيرة وسحبت دول لها وزنها اعترافها بالجمهورية الوهمية التي لم تقم نهائيا بل، ولا يوجد لها مقر ولا مكتب قائم، باستثناء الخيام الداكنة المنتشرة في تندوف.

مضت قمم عربية كثيرة كان يحضرها «مجانين»، مثل القذافي الذي مول جماعات مسلحة هنا وهناك، وكلفه الأمر الاعتذار وصرف غرامات بملايين الدولارات، حتى لا ينتهي حكمه بكبسة زر. وفي الأخير انتهى في جُحر على مرمى حجر من مكتبه، الذي نصّب فيه نفسه زعيم الزعماء العرب، وكان يرى القمم العربية مجرد مناسبات لاستعراض أفكاره. ذهب القذافي، وبالتأكيد سوف يرحل هواة الاستعراض الحاليون بدورهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى