شوف تشوف

الرأي

خيبة أمل الماسكين بالأوهام

توفيق رباحي

خاب بسرعة أمل السياسيين والإعلاميين والمحللين الجزائريين، الذين راهنوا على شيء من التشويق عشية الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 18 أبريل المقبل. هؤلاء تمسكوا خطأ ببعض الأوهام، منها أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لن يترشح، وأن النظام يبحث عن مرشح لم يجده بعد، أو أن النظام منقسم حول بوتفليقة. إلخ.
في كل انتخابات رئاسية تتوفر الظروف ذاتها، ليكرر المشهد نفسه بصورة تكاد تكون نسخة لما قبله. حالة أزلية من الدوران في الفراغ.
«مناشدة» الأحزاب الداعمة لبوتفليقة له للترشح، مجرد تحصيل حاصل. كان يكفي المرء، قبيل ذلك، أن يتابع نشرة واحدة من نشرات الأخبار في التلفزيون الحكومي، ليتأكد من أن بوتفليقة، عن طريق محيطه، لن يفرّط في الرئاسة، وأنه مرشح، وأنه سيترشح ليفوز، لأنه خارج العقل والمنطق والخيال أن يخوض هذا الرجل (أو غيره من مرشحي النظام) انتخابات ليخسرها.
نحن، إذن، أمام تزكية جديدة ستقود الجزائر نحو خمس سنوات أخرى من المجهول والغموض والشلل. الباقي كله تفاصيل وكومبارس ضمن عرض معروف بطله وبدايته ونهايته، لا لسبب إلا لأنه يتكرر أمام أعين الجزائريين والعالم منذ عشرين سنة، كل خمس سنوات. وتكرر قبل 1999 مرارا بأبطال وكومبارس مختلفين، لكن المخرج هو ذاته والجمهور كذلك. كيف بعد كل هذه السنوات والتجارب المخيِّبة للآمال يراد من الجزائريين تصديق من يقول لهم إن بوتفليقة لن يترشح، وإن النظام لم يجد مرشحه؟ منذ متى كانت لدى النظام مشكلة في إيجاد مرشح وتسويقه وفرضه رئيسا أيا كانت الظروف؟ بوتفليقة وقف 21 سنة على رصيف الانتظار ليصفي حسابه مع التاريخ. والنظام لديه القدرة على إيجاد المرشح المناسب لمصالحه في أحلك الظروف. ولديه تجربة عميقة في إقامة «الأعراس» الانتخابية لمرشحيه ببراعة منقطعة النظير. ولديه أدوات إعادة تدوير أكثر الرجال فشلا وتحويله إلى بطل تاريخي ورمز لإجماع وطني لا قبله ولا بعده.
بعد «المناشدة» ستبدأ ثرثرة عن أن على الجزائريين أن ينتظروا استجابة بوتفليقة لـ«نداء الوطن والواجب». كأن أحدا يصدّق أن بوتفليقة قد يزهد في الرئاسة، أو يمتنع عن الترشح. ثم يعقب ذلك كلام عن ضرورة انتظار الحملة الانتخابية والاقتراع لكي يكون الصندوق هو الحسم. كأن هناك شكا في أن الصندوق سيفرز رئيسا آخر غير بوتفليقة!
الأحزاب الأربعة التي ناشدت بوتفليقة السبت لن تكون وحيدة. سيكون مطلوبا منها العمل على استمالة الغاضبين والمترددين، أفرادا ومجموعات، لضمهم إلى المجموعة. الهدف هو تضخيم صفوف «الموالاة» قدر الإمكان حتى يبدو بوتفليقة مرشح الجزائريين لا مرشح مجموعة قليلة من الأحزاب. بوتفليقة، عن طريق محيطه، لن يكتفي بمناشدة أربعة أحزاب له، اثنان منها (تجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية) غير قادرَين على ملء صالة أفراح، والاثنان المتبقيان (التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني) مجرد جهازين عقيمين يحترفان الانتهازية السياسية وسينتهيان في اللحظات التي تعقب انتهاء غطاء وامتيازات الدولة لهما.
الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد انطلاق «قطار بوتفليقة» لتبدأ قوافل الطامحين والطامعين في الركوب في محطات مختلفة. سيحدث تدافع كبير على الركوب، من النقابات إلى الجمعيات والمنظمات الأهلية مرورا بأحزاب لا وجود لها إلا على الورق. سيكون الأمر أشبه بسوق من المزايدات اللفظية والتملق المثير للاشمئزاز. ولن يكتمل هذا من دون الجهاز البيروقراطي والإعلامي ودورهما الخارق في خدمة مرشح النظام. عندما تتوفر أركان هذا المشهد سيكون في متناول بوتفليقة الفوز بالضربة القاضية، كما فعل في المرات السابقة.
الضربة القاضية تحتاج خصما جديرا بها وجديرا ببوتفليقة لهذا لا يكتفي النظام بتوفير المرشح، بل يوفر له الخصوم السياسيين الذين يمنحون «العرس» نكهة وتشويقا ومنافسة. في كل انتخابات يخرج على الناس «مرشح معارض» يحاول إقناعهم بأن النظام صادق في التغيير، وبأن «هذه المرة مختلفة عن المرات الماضية». وفي كل مرة يجد «المرشح المعارض» قوافل من المؤيدين والداعمين في الشارع وفي الأوساط السياسية والإعلامية وحتى في داخل أروقة الحكم. هذا السيناريو كان معمولا به قبل وصول بوتفليقة. في انتخابات أكتوبر 1995 الرئاسية أوكل هذا الدور إلى حركة المجتمع الإسلامي (حمس لاحقا) وزعيمها الراحل محفوظ نحناح منافسا للجنرال اليمين زروال، مرشح النظام. وفي رئاسة بوتفليقة أدى هذا الدور بنجاح علي بن فليس مرتين. وفي 2019 يبدو اللواء المتقاعد علي الغديري جاهزا ومتحمسا للعب الدور بنجاح.
ربما ليس من الإنصاف وصم هؤلاء «الخصوم» بأنهم «عملاء» للنظام، لكن من المفيد القول إنهم يلعبون لعبة النظام، ومن الضروري التساؤل كيف ولماذا يقعون بسهولة في الفخ؟ ولماذا لا يكتشفون غدر النظام إلا بعد انتهاء التصويت وإعلان النتائج؟ علما أن الانتخابات غير مزورة على مستوى الصناديق، ولا توجد حاجة إلى تزويرها، لأن «اللعب» مغلق بأقفال من نوع آخر مختلف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى