شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةتقارير

خياران استراتيجيان

أصبحنا حقيقة في مواجهة حالة اللايقين، فالأسعار في صعود سريع ونزول بطيء، والمواد الأساسية في ندرة، والوضع الاقتصادي والمالي لا يمكن السيطرة عليهما بأي حال من الأحوال. مثل هاته الأوضاع تتطلب كثيرا من الاجتهاد والإبداع من طرف الحكومة، للبحث عن الحلول والبدائل المستدامة تكون في حجم الظرفية الصعبة التي نجتازها، ومع تقديرنا للجهود التي تبذلها الأجهزة التنفيذية، فإننا نخشى أن تكون نتيجتها متواضعة، محدودة في الأثر ومؤقتة في الزمن، لأن الأدوات التي تستخدمها الحكومة ظرفية واستثنائية، ولا تتناسب مع التعامل بشكل طويل المدى مع الأزمة.

وبطبيعة الحال إذا أخرجت الحكومة الآلة الحاسبة للإجابة عن الطلب الاجتماعي المتنامي، كما هو حاصل مع دعم «المازوت» الذي يتطلب 6500 مليار سنتيم للرجوع إلى ما قبل التحرير، فإنها ستجد نفسها عاجزة عن القيام بأي شيء، في المقابل لا يمكن قياس الاستقرار الاجتماعي بالأرقام والتوازنات المالية فقط، فالدولة يجب أن تتدخل لحماية المواطن في أوقات الشدة.

وعمليا فإن الحكومة مطالبة باللجوء إلى خيارين كبيرين،

فأما الخيار الأول الذي يمكن أن تلجأ إليه الحكومة للتصدي للغلاء والتخفيف على المواطن، فيتمثل في التدخل من أجل الرفع من أجور العاملين في القطاعين العام والخاص، صحيح أنه لا يمكن السيطرة على صدمات الأسعار، لكن في المقابل يمكن التخفيف منها بالزيادة في مداخيل الموظف والمستخدم والعامل، صحيح أن هذا الأسلوب يعاب عليه أنه انتقائي، ولا يمكن أن يغطي كل المغاربة، سيما الذين يرزحون تحت سطوة البطالة، كما أنه قد يخلق في حد ذاته نوعا من التمييز الاجتماعي، وهو ما يستلزم اللجوء إلى الخيار الآخر، والمتعلق بتقديم الدعم الاجتماعي المباشر إلى الأسر الفقيرة. ولقد قدمت الدولة خلال جائحة كورونا درسا مثاليا في معنى دعم الأسر الفقيرة، وبقليل من الجهد يمكن تصنيف المستحقين للدعم المباشر، وفق بنك معطيات تتوفر عليه السلطات العمومية. وهذا الخيار يعني أنه لم يعد هناك أي مجال لمزيد من التأخر في تنزيل السجل الاجتماعي، الذي أشر عليه الملك محمد السادس، وهذا الخيار بالتأكيد يبقى في ظل السياق الصعب الذي نعيشه الأكثر وضوحا واستدامة وواقعية.

ما سبق من خيارات لا يعني أن ترفع الحكومة يدها عن الرقابة على الأسواق، وتترك الناس فريسة لمزيد من الاستغلال والمبالغة في الأسعار، ولا أن تتوقف عن توفير السلع الأساسية عند اللزوم. ولكن هذه الخيارات الكبرى ربما تكفي في ذاتها للتعامل مع الغلاء ومع أسبابه الظرفية، لأنها أدوات ووسائل بديلة ترفع عن المجتمع بعض الأعباء المعيشية، التي لم يعد الناس قادرين على تحملها ولم تستطع الحكومة التحكم فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى