شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

خميرة في مقادير مقال سياسي

يونس جنوحي

 

صدر في الـ «فورين بوليسي» الدولية، أشهر منبر إعلامي يتناول قضايا السياسة العالمية، مقال لصحافي إسباني كله مغالطات عن المغرب. ومن الواضح أن الصحافي «ماركوس بارتولومي» لم يهضم أن تعترف حكومة بلاده بمغربية الصحراء، ولا يزال من الذين يحنون إلى أيام إسبانيا الاستعمارية.

كال المقال اتهامات إلى المغرب، لا يملك ولا دليلا واحدا عليها.

هناك صحافيون حول العالم، يدعون أن لديهم علاقات بالمخابرات العالمية والمنظمات السرية، وينشرون يوميا مقالات عن الحكومات والوزراء، ويتكلمون عن التسريبات والاجتماعات، رغم أنهم لا يتوفرون لا على مصادر ولا علاقات. والأرقام الوحيدة التي ترن عليهم بإلحاح واستمرار، هي أرقام زوجاتهم.

هذا المقال، الذي يلوم الحكومة الإسبانية على تحسن العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، لا يتوفر على معطى واحد يستند على دليل ملموس. ويتعلق بتكهنات وقراءات لا تعدو أن تكون محض تخمينات وضعها الذين أقلقهم اعتراف إسبانيا بسيادة المغرب على الصحراء.

السياح الإسبان لا يكترثون لهذه الأمور، فقد بدؤوا بالتوافد بأعداد مهمة على شمال المغرب منذ فتح الحدود البحرية، وأغلبهم يقطعون مضيق جبل طارق لقضاء نهاية الأسبوع في مدينة طنجة، ولا يقرؤون هذا النوع من المقالات الذي يحن إلى إسبانيا الاستعمارية، ويكتفون بقراءة لائحة أسعار المطاعم لأنها تهمهم الآن أكثر.

وعلى ذكر السياح، فإن سائحا إسبانيا يشرف على قناة في «اليوتوب»، وضع يوم 12 ماي مقطعا من اثنين وعشرين دقيقة يتحدث فيه عن مدينة طنجة ويدعو متابعيه إلى زيارتها، لكنه قدمها على أنها مدينة تاريخية إسبانية.

وهذه ليست المرة الأولى التي يسقط فيها الأجانب ضحايا مغالطات من هذا النوع. قد يكون هذا السائح قد قرأ أحد هذه المقالات الملغومة، وترسخ لديه اعتقاد أن طنجة، التي يعود تاريخها إلى ما قبل الحضارة الرومانية، مدينة إسبانية.

والحقيقة أن طنجة كانت مدينة محورية لدى حضارات الرومان والفينيقيين ومع الإسلام أيضا. والإسبان لم يكونوا سوى عينة من الجاليات الأجنبية التي حلت في المغرب، ولم يبدأ الإسبان في تشييد مبان على الطراز الإسباني إلا قبل قرنين تقريبا، ليؤسسوا للثقافة الإسبانية في شمال المغرب، بفضل استقرار جالية إسبانية مهمة سواء في الشمال أو في الجنوب.

إذ لا أحد يسلط الضوء على التبادل الثقافي بين أهل الصحراء المغاربة، وبين الإسبان الذين عاشوا في الجنوب المغربي خلال الفترة الاستعمارية، رغم أن هناك أمورا كثيرة للحديث بشأنها. إذ أن سكان الصحراء تعرفوا على السينما الإسبانية والأفلام القادمة من «لاس بالماس» والحلويات الإسبانية، قبل حتى أن تتأسس الجزائر التي تدعم اليوم أطروحة الانفصال عن المغرب.

والتاريخ الإسباني على كل حال، حافل بأرشيف من الوثائق التي تؤكد بسهولة مغربية الصحراء. إذ أن الحكومة الإسبانية منذ عهد الدولة المرينية والسعدية، أي قبل أزيد من 500 سنة من اليوم، كانت تتحدث بنوع من الغيرة، عن تقدم الإنجليز وعقدهم صفقات تجارية في الصحراء مع الملوك المغاربة، وهو ما يؤكد أن جنوب الصحراء وصولا إلى السنغال، كان في نفوذ الدولة المغربية. وحاول الإسبان الوصول بحرا إلى الصحراء منذ ذلك الوقت.

لكن هذا النوع من الصحافيين لا يريدون لهذا الأرشيف أن يظهر، وهم دائما بخير ما دامت تلك الوثائق في رفوف المكتبة القومية في مدريد.

هواية كتابة المقالات التحليلية التي تُلائم مواقف معينة، أسهل جنس صحافي يمكن لكاتب أن يُمارسه. إذ يكفي الحديث عن المصادر والتسريبات من المخابرات الأجنبية لجعل المقال يبدو جديا وموثوقا، رغم أنه في النهاية لا يختلف في شيء عن مقالات مقادير إعداد الحلوى الإسبانية في المنزل. فكلا المقالين يتوفران على قدر كبير جدا من الخميرة.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى