خلط الأولويات
أطلقت الطبقة السياسية موضوعات كبيرة بشكل زائف، على حساب أبسط حقوق المواطن. ففي اللحظة التي نقوم كل صباح ونمسي فيها كل مساء على زيادات في أسعار المواد المعيشية، وفي ظل ما نعيشه من سوء الخدمات على مستوى الصحة والتعليم والتشغيل، في انتظار إصلاحها المنشود، أطلق جزء من النخبة السياسية نقاشات مزيفة بالإيديولوجية ومغطاة بالاصطفافات الهوياتية حول قضايا ليست من أولويات المواطن، كحق المثليين في الحب الحسي العلني المحمي بالقانون، والمساواة في الإرث والتطبيع الديبلوماسي.
طبعا لا نصادر قيمة هاته القضايا الخلافية، في ظل مجتمع تتوفر فيه نسبة كبيرة من مستويات الحق في التعليم الجيد والصحة الكريمة والتشغيل النافع، لكن الجميع يعلم أن المواطن المغربي، في هاته السنوات العجاف، في أمس الحاجة لإيجاد أجوبة وحلول في موضوعات ارتفاع الأسعار وسوء الصحة والتعليم، وضعف الأجور وندرة التشغيل وخطر إفلاس التقاعد. أما نقاش الحريات الفردية والإرث والإعدام، فهو مجرد خلط للأولويات وأمواج إيديولوجية يركبها السياسي الفاشل في زمن الفراغ ليصل إلى المناصب والامتيازات وينسى بعد ذلك كل مبادئه.
لا نعلم كم يمكننا إحصاء من مثلي مضطر أو راغب في إقامة علاقات رضائية يريد حقوقه.. ولا ندري كم من صاحب أملاك في هذا الوطن محتاج إلى الحسم في قواعد الإرث بين ابنه وابنته، رغم أن الإرث الوحيد الذي يتركه معظم المغاربة بعد وفاتهم هو الديون، لكن الحقيقة أن هذه الفئات المعنية بالإرث والحريات الفردية والإعدام والتطبيع مجرد أقليات، لكن جزءا من الطبقة السياسية الذي بارت تجارته وأفلست بضاعته، يريد، في غياب نقاش جدوى السياسات العمومية، أن يجعلها أولوية وطنية ويجند لأجلها الفضاء العام.
إننا أمام نخبة سياسية تعيش خارج زمنها السياسي الاجتماعي، بعيدة كل البعد عن أولويات المواطن التواق لحكومة ومعارضة تساعده على الخروج من نفق الفقر والبطالة والأمية والمرض، وليس طبقة سياسية تبحث في كتب التراث عن خطة للوصول إلى السلطة بشكل مزيف على حساب قيم نبيلة لم يأت زمنها ولم يحضر رجالها.