خفافيش الظلام
كالكثير من الأطفال خرج مسرورا بقرع جرس السادسة مساء، لم يكن يعلم ماذا يخبئ له ذلك الشارع الطويل للمدرسة التي قضى فيها أطول من تلك الساعات التي يمضيها في البيت،.. ظل الطفل يردد أغاني السرور والفرح بإعتاقه من السجن الذي احتضنه لأربع ساعات متواليات لا يفصل بينها إلا جرس الاستراحة.. حيث يدخن الأستاذ بشرهة ريثما تنتهي تلك الدقائق المعدودة على ساعة الجدار.. ويعود من جديد لتلقين الدرس بالطريقة التقليدية أو التوجيه بالطريقة العصرية التي تتبع أحدث بيداغوجيات التعليم التي لم تثبت نجاحها في الغرب فكيف بها تثبته حيث لم تولد؟! تستورد بأثمان جد باهظة يمكن أن تسد الكثير من حاجيات أطفالنا.. تراها قادرة على اقتناء الحب والسعادة والرغبة في اكتساب العلم؟
الكثيرون وأنا أنصحهم بطلب العلم يأخذونني قدوة لهم، «طفرتيها انت بعدا»، والسبب بسيط فالتعليم والحصول على الشهادات العليا والخبرات وحده السبيل للحصول على وظيفة، وبالتالي أجر شهري، و تغطية صحية وتقاعد.. وقد تحصل عليها كلها ولا تحصل على وظيفة تضمن لك عيشا محترما، وهذا فهم خاطئ رضعناه من ثدي أمهاتنا في هذا البلد الحبيب.. فالعمل والسكن والتطبيب والقوامة بكل مفاهيمها تقع على جبين البلدان التي ننتمي إليها.
مخطئون وهم يرفعون من أجور القطاع العمومي، وينسون أن أغلب الساكنة ليس لهم مدخول مادي ينتمي لإطار هذه الزيادة، الأجدر ليس النفخ في الأجور-خصوصا لقطاعات دون أخرى- بل الأولى التخفيض في المعيشة، وتسهيل سبل العيش للمواطنين. فعوض أن أقوم بتشغيل موظف واحد يمكن أن أشغل اثنين ويستفيد كل منهما من تخفيض ساعات العمل ويتمتع كل منهما بنصف الراتب الذي كان ليكون للواحد منهما.. ويمكن ألا نفكر في رفع الأجر بل نساعدهم في الحصول على سكن قار، ونساعد في جعل سوق المعيشة في متناول الجميع.. والأمر ليس على الضعفاء وحدهم بل يقع على كاهل المسؤولين أولا: لابد من وضع استراتيجية تجعل كرسي البرلمان ليس هدفا للحصول على أجر ضخم وتقاعد مريح، بل يجب أن يكون كرسيا لا يصله إلا مستحقوه. ومن يسعى لمراكز السلطة وهو يطلبها لنفسه فليس بأهل لها، بل ينتخب الناس من يرونه أهلا لها، ولهم أن يحيلوه على القضاء إن خان الأمانة. ولابد أن يفرض نظام الحسبة على كل مسؤول ليعلم إن كان قد جنى خلال مدة خدمته أزيد مما يمكن أن يمكنه منه أجره الشهري، ولابد أكيد أن يحد سقف الأجور في هذا البلد الكريم، فلم يستمتع واحد دون الآخر بملايين شهرية، وأرملة قضى زوجها العسكري في الخدمة أزيد من ثلاثين سنة، ألف درهم كل ثلاثة أشهر..
كفانا سماحا للصوص بأن يسلبونا حقنا ويهووا علينا بلهيب الأسعار والضرائب.. بلدنا غني وجميل لابد أن نطرد منه خفافيش الظلام.