خطر الوصم الاجتماعي لضحايا كورونا
عمرو حمزاوي
تألمت بشدة حين طالعت الخبر المتعلق بتجمهر نفر من أهالي قرية في محافظة الدقهلية المصرية (شبرا البهو)، رفضا لدفن جثمان طبيبة توفيت إثر إصابتها بفيروس كورونا المستجد، في مقابر القرية، خشية انتشار الفيروس.
تألمت لأن الوصم الاجتماعي لضحايا كورونا والتنمر على ذويهم والامتناع عن التضامن معهم هي نقيض ما تحتاجه مصر اليوم، شأنها في ذلك شأن بقية بلدان عالمنا التي يفرض عليها انتشار كورونا أزمات صحية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.
تألمت لأن الوصم الاجتماعي لضحايا كورونا طال في محافظة الدقهلية جثمان طبيبة، حتى وإن لم تشارك في جهود إغاثة وإسعاف وعلاج المصابين لكونها كانت غير متفرغة، تنتمي إلى الفرق الطبية التي تبذل عناصرها جهدا هائلا لإنقاذ المصابين من خطر الموت، وتضع سلامتها الشخصية على المحك في سبيل مساعدة الناس. هذه لحظة للامتنان للأطباء والممرضين والقائمين على أعمال الرعاية الصحية، والشعور بالعرفان لهم وهم يضطلعون بمهنتهم السامية، في وجه فيروس ينتشر دون توقف.
تألمت لأن الوصم الاجتماعي لضحايا كورونا عبث في محافظة الدقهلية بحرمة الموت، ولم تحل لا تعاليم الدين ولا الحدود الدنيا من الالتزام الأخلاقي والإنساني بينه، وبين إبقاء جثمان الطبيبة المتوفية معلقا دون دفن في سيارة الإسعاف، التي نقلته إلى المقابر، ولولا تدخل قوات الأمن وفضها لتجمهر الأهالي لما تمكنت الأسرة المكلومة من إكرام الطبيبة بدفنها.
حسنا فعلت وزارة الصحة المصرية بالخروج الفوري على الرأي العام ببيان لا يتوقف عند الإدانة، بل يتجاوزها إلى شرح علمي لإجراءات الأمان الواجب اتباعها عند نقل ودفن جثامين ضحايا كورونا، لكيلا ينتشر الفيروس. حسنا فعل رئيس الوزراء، حين تواصل هاتفيا مع زوج الطبيبة المتوفية، واعتذر منه عما حدث. وحسنا فعل شيخ الأزهر، الذي عبر عن حزنه إزاء غياب تضامن البعض مع الضحايا والمصابين، وذكر الجميع بكونهم في مرمى نيران الفيروس وغير بعيدين عن مساره الخطير على نحو يتطلب الابتعاد عن الوصم الاجتماعي، وطالب كل المصريين مسلمين ومسيحيين بتغليب إنسانيتهم، على استثارة الخوف والأنانية والقسوة وتهييج المشاعر.
في الواقعة المؤلمة لطبيبة محافظة الدقهلية جاء أداء المؤسسات الثلاث، وزارة الصحة ورئاسة الوزراء والأزهر الشريف، معبرا عن تضافر جهود الدولة المصرية بكافة مكوناتها للسيطرة على انتشار كورونا، وعلاج المصابين، وحماية صحة المواطنين. من الاعتماد على الفرق الطبية والعلماء والمتخصصين في مواجهة فيروس خطير يواجه أفضل نظم الرعاية الصحية في العالم بتحديات بالغة، مرورا بتوظيف كل الأجهزة والطاقات الحكومية للحد من آثار الفيروس الخطيرة على الصحة العامة والاقتصاد، وصولا إلى اعتماد خطط محددة لتحفيز الاقتصاد ومساعدة الفئات الأكثر تضررا كالعمالة غير المنتظمة، والتنسيق بين الحكومة وبين المحافظات والمحليات، لضمان فاعلية تنفيذ إجراءات حظر التجوال والحجر الصحي وضمانات الأمان للأطقم الطبية، تدلل هذه الخطوات على مساع حقيقية للإدارة الناجحة للأزمة.
غير أن الواقعة المصرية لم تكن واقعة الوصم الاجتماعي الوحيدة، التي تناقلت وسائل الإعلام ووسائط التواصل في بلاد العرب والشرق الأوسط أنباءها. فمن الكويت، خرجت طائفة قليلة العدد بخطاب شديد العنصرية ومضاد لكل القيم الإنسانية، باتجاه العمالة غير المنتظمة وغير الشرعية، التي وصمت جهلا بالتسبب في انتشار الفيروس ونقل العدوى إلى المواطنين، واتهمت ظلما بالاستيلاء على ما ليس لها به حق من خيرات البلاد. وحسنا فعلت السلطات القضائية الكويتية، بالإفصاح عن توجهها لمساءلة مروجي مثل هذا الخطاب العنصري البغيض. وفي إيران، تواترت على نحو صادم وقائع انتحار بعض المصابين بفيروس كورونا، خوفا من الوصم الاجتماعي، وانتحار بعض ذوي من سقطوا ضحايا لكورونا من جراء غياب التضامن المجتمعي والإنساني معهم. هنا أيضا تدخلت المؤسسات الحكومية والمرجعيات الدينية، للتوعية بضرورة التضامن مع الضحايا، ومناشدة المواطنين تغليب إنسانيتهم على الخوف والقسوة.
ليس زمن كورونا هو زمن عودة الدولة بمؤسساتها وأجهزتها فقط، بل هو أيضا زمن التدليل على أن الدولة، حتى وإن غابت عنها الطبيعة الديمقراطية وتراجعت إمكاناتها في بعض المواقع، تظل الفاعل الأكثر عقلانية ورشادة وإنسانية في مجتمعاتنا المعاصرة.