شوف تشوف

الرأي

خطأ لغوي

شامة درشول
كلمة اتصال تعني أن شخصا أو مؤسسة قام (ت) بإرسال رسالة إلى شخص أو مؤسسة، دون أن يكون الطرف المتلقي قد رد عليها، لأي سبب من الأسباب، سواء لأن المتصل تربطه علاقة أفقية بالطرف المتصل به، أو لأن متلقي الرسالة أهملها، وبالتالي لم تنتقل عملية الاتصال إلى التواصل، وهذه هي أزمة التواصل في المغرب، أنها لا تزال في مرحلة الاتصال، ولم تنتقل لمرحلة التواصل.
التواصل، يعني أن «أ» يرسل رسالة لـ«ب»، وأن «ب» يقوم بالرد على الرسالة إلى «أ»، وهذه هي القاعدة الأولية للتواصل، قبل أن تكبر، وتتوسع وتصبح أن «ب» بعث بدوره الرسالة إلى «ج»، وأن «ج» تواصل مباشرة مع «أ»، دون أن يكون مضطرا للمرور عبر «ب». بعبارة أخرى، ما نعيشه على الشبكات الاجتماعية كان ثورة في قواعد التواصل، حيث بات بإمكان أي شخص من العالم أن يتواصل مع رئيس مثل ترامب مثلا، الذي، بدوره، يتواصل مع الجميع دون أن يكون مضطرا لسلك الطرق التقليدية لإرسال وتلقي الرسائل، وهو ما يعني أن الشبكات الاجتماعية في جانبها المشرق حاولت أن تؤسس للديمقراطية الرقمية، حيث المجال مفتوح للجميع لإرسال الرسائل إلى الجميع، ودون أن تكون هناك طبقية أو جدران، أو انتظار أو وسطاء، وهو ما يفسر لماذا قضت إحدى المحاكم الأمريكية على ترامب بضرورة إعادة حسابات عدد من المواطنين الأمريكيين الذين كانوا يتابعون الرئيس على حسابه على «تويتر»، وقاموا بانتقاد سياسته، فرد هو بحذفهم من قائمة المتابعين، فما كان منهم إلا أن رفعوا دعوى قضائية ضده بتهمة محاولة الرئيس إخراس صوت المعارضين له، ومنعهم من حقهم في التعبير، وهو ما استجابت له المحكمة الأمريكية وقضت بأن يعيد الرئيس هؤلاء المحظورين من صفحته على «تويتر» إلى قائمة المتابعين.
المشكل الحقيقي للمغرب، هو، بالأساس، مشكل سوء فهم، وتدبير وإدراك لعملية التواصل، يصف المغربي مصريا بأنه «فيه لهضرا بزاف وكداب»، ويصف اللبناني بأنه «نصاب، وفيه لعياقا ولبوخ لخاوي»، في حين أن المغربي لا يعرف أن المصري واللبناني يصفانه بأنه «المواطن الذي يملك الشيء الكثير ليقوله لكنه لا يعرف كيف يقوله».
دعيت مرة من قبل منظمة ألمانية لتدريب قادة سياسيين شباب حول سبل التواصل السياسي في الانتخابات التشريعية وكذا الجماعية، وقبل أن أبدأ التدريب، طلبت من المشاركين الخروج إلى الحديقة الخلفية للفيلا التي كانت تحتضن اللقاء، طلبت منهم أن نظل واقفين ونشكل دائرة، وقفت في الوسط أتأملهم، كانوا شبابا وشابات، متعلمين، جامعيين، لهم وظائفهم واستقلالهم المادي، إضافة إلى أنهم فاعلون في المجتمع، ثم سألتهم: «من منكم في علاقة حب؟»، أغلب المشاركين العشرين ردوا بأنهم على علاقة حب، ثم سألت: «هل تجد سهولة في التعبير عن حبك للشخص الذي تحبه؟»، هنا الأجوبة الإيجابية بدأت تنقص، تقريبا أكثر من نصف المشاركين ردوا بأنهم يجدون صعوبة في التعبير عن مكنون قلوبهم، ثم سألت أولئك الذين ردوا بأنهم لا يجدون أية صعوبة، «هل تجد صعوبة في التعبير عن حبك لوالدتك أو والدك؟»، وجاءت الردود قاسية: «نعم، نجد صعوبة في الأمر». أذكر جيدا أن شخصا من المشاركين قال لي: «أحب أمي كثيرا، لكني أعجز عن التعبير لها عن هذا الحب، وأشعر بحزن كبير لهذا الشعور». في ختام الأسئلة قلت لهم: «إن كنا لا نستطيع التعبير عن مشاعرنا لأقرب الناس إلى قلوبنا، فكيف سنكون قادرين على التواصل مع هؤلاء الذين نريدهم أن يمنحونا ثقتهم ويصوتوا لصالحنا؟».
من هنا، من عدم القدرة على التعبير عما نريده، ونفكر فيه ونسعى إليه، وبدلا عنه نقول عكسه، وننتظر من الآخر أن يفهم خبايا الأمور ويقرأ ما وراء السطور، من هنا يأتي المشكل في سوء تدبير الأزمات، وسوء التواصل وسوء الإدارة، ففي نهاية المطاف هؤلاء الذين يقومون بالتواصل هم بشر، لكنهم بشر عاجزون عن التعبير، عاجزون عن ممارسة التواصل، ولهذا نجد أن مضامين الرسائل التواصلية المتداولة في المغرب، سواء على مستوى الدولة أو الشعب، هي أكثر برودة من الخشب، لا روح فيها ولا طعم.
مشكل التواصل في المغرب لا يكمن في حل وزارة الاتصال، ثم التفكير بعد ارتكاب هذا الإعدام الذي لم يحظ بحق المحاكمة العادلة، بل يكمن في أن التواصل في المغرب «من نهارو خارج من لخيمة عوج». بدأ الداء بتسميتها خطأ وزارة الاتصال، في حين أن الصحيح لغويا وزارة التواصل، وانتشر الداء ولم يعد ينفع معه علاج منذ قرر «البيجيديون» أن يكون الخلفي آخر وزير إعلام في المغرب، فقط لأنهم أخبروهم أنه لا توجد وزارة إعلام في أعتى الديمقراطيات، أعدموا الوزارة ليس إيمانا بالديمقراطية، بل لأنهم يعرفون جيدا أنهم باتوا في غفلة من الدولة وباقي المؤسسات، متحكمين في دواليب التواصل، يشهرون بمن يعارضهم ويمجدون مواليهم، حتى ترامب نفسه لم يحظ بكل هذا النعيم في جحيم صنعه خطأ لغوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى