شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

خبراء فيتنام وكوبا وإيران وفلسطين وسوريا وأوربا الشرقية يدرّسون حرب العصابات بالمخيمات

مانسيناكش عبد الله لماني (معتقل سابق في سجون البوليساريو):

حسن البصري

أين بدأت عملية الاستنطاق؟ ومن كان يشرف عليها؟

في برج «مركالة» توقفت الرحلة أو الشوط الأول منها، تم استنطاقنا من طرف ضباط جزائريين بهدف الوصول إلى معلومات عسكرية، قلت لهم إنني مدني، فقال أحد الضباط الجزائريين: «ستؤدون ثمن حرب سنة 1963 وما فعله بنا آباؤكم وأجدادكم». كان الاستنطاق مقرونا بالعنف، حيث جرى توزيعنا مثل العبيد على الكتائب من أجل خدمتها في المطبخ والتنظيف، وحفر الآبار والخنادق، وجلب المياه وكل الأشغال الشاقة التي تخطر ببالك. بينما حل ضابط جزائري بعين المكان وشرع في كتابة بيانات شخصية حولنا، في جو لا لغة تعلو عن لغة العنف والتنكيل. الذين كانوا يقومون بعمليات التعذيب صحراويون وموريتانيون، ومن جنسيات أخرى، ولكن الأوامر كانت تعطى، دائما، من طرف الضباط الجزائريين المتواجدين بتندوف، حيث كانوا يعطون الأوامر مباشرة، ولكن المنفذين كانوا صحراويين وموريتانيين.

من هنا ستبدأ أولى خيوط العذاب، أليس كذلك؟

كنت ممددا في سيارة رباعية الدفع وأختلس النظرات والألم لا يفارق جمجمتي. وصلنا إلى منطقة تسمى فم لعشار، وهي من الممرات الصعبة في الصحراء. على امتداد الرحلة كنت أسمع كلام أفراد العصابة التي اختطفتنا. توقفنا في منطقة لمسامير واستمر التعذيب والاستنطاق عن طريق أول جلاد تعرفنا عليه وهو ولد هنية الذي يلقب بدوغول، هذا الشخص عدواني إلى درجة لا يمكن أن أصفها، سوطه يسبق لسانه.

ما طبيعة الأشغال الشاقة التي قمتم بها؟

كان برنامجنا اليومي يبدأ بعمليات الحفر من الصباح إلى المساء، كنا نحفر خنادق تحت الأرض، وأحيانا نقوم بإفراغ الشاحنات من مواد البناء ونحمل الأحجار وكل ما يتعلق بالحفر التي يبلغ عرض الواحدة منها مترين وطولها ستة أمتار، وقبل أن نرمى فيها كنا نتعرض للضرب والركل حتى نسقط فيها. أما الزنازين الإسمنتية فكانت بدون سقف. وإذا دخلت حفرة أو زنزانة عليك أن تظل فيها حتى ينادوا عليك في أي وقت.

ألم تراودك فكرة الهروب؟

السجن الذي عشنا فيه كان رهيبا، يضم زنازين تحت الأرض، وأي سجين في العالم تراوده فكرة الهروب، لكن الهروب، في سجون البوليساريو، أكثر من مستحيل، لأن القائمين عليه يحصون عدد الأسرى أربع مرات في اليوم، وأحيانا في الليل وأنت نائم على صوت الصفارة، تستفيق من الفزع وتنهض لتخضع لعملية إحصاء وتدقيق في الحضور، علما أن عملية إحصاء الأسرى تتم باستخدام سياط التعذيب النفسي. أتذكر أن الحسين، الذي اعتقل معنا في عملية حافلة طاطا، راودته فكرة الهروب وهرب لكنهم اعتقلوه وجلدوه إلى أن لفظ أنفاسه وقدموه لنا عبرة لمن يفكر في العودة إلى الوطن.

فشل هروب الحسين أزاح الفكرة من ذهنك..

كنت معجبا بفيلم «بابيون»، حيث يتهم ستيف ماكوين بجريمة قتل، هو لم يرتكبها ويحكم بالسجن مدى الحياة، فيرسل إثر هذه التهمة إلى جزيرة معدومة، ويقضي العقوبة الرهيبة. حين اعتقلت في الرابوني تبين لي أنني جزء من ذاك الفيلم وأنني أشخص الدور نفسه لكن في فضاء أكثر قسوة من تلك الجزيرة. رغم ذلك لم أفكر في الهروب لأنني أيقنت بعد الاختطاف أنني معرض للقتل في أي لحظة، خاصة بعد فشل العملية التي قام بها الحسين وهو عسكري كان يعمل في مصلحة الهندسة العسكرية، حاول الهروب، فقتلوه أمام أنظارنا ليكون عبرة لمن يفكر في مغادرة السجن. كان ذلك أواخر سنة 1981 وبداية 1982، وقبل قتله عذبوه مدة ثلاثة أيام متواصلة وعلقوه بشجرة الطلح مكسر الجمجمة فسقت دماؤه جذوع الشجرة، في مشهد رهيب لن أنساه طول حياتي.

هل قضيت مدة طويلة هناك؟

كما توقعت حصل هجوم على طاطا، وجيء بأفراد آخرين انضموا إلينا. غالبية الأسرى كانوا مصابين يصعب عليهم القيام بالأعمال الشاقة، غير أن القيادة الحاكمة والمتحكمة سترحلنا إلى الرابوني، وهي منطقة حساسة، تسمى  في الخرائط القديمة حاسي عبد الله، وتوجد على بعد ستين كيلومترا عن تيندوف. هناك توجد القيادة العامة للبوليساريو، قيادة عسكرية، إدارة الأمن العسكري، وزارة الدفاع، سجن رهيب..، كان التخطيط للهجوم على المغرب، وكان الاستنطاق وكان استقبال الوفود الأجنبية إلى غير ذلك من الأمور المتعلقة باستمرار البوبيساريو واستمرار وصاية الجزائريين.

 من هم الأجانب الذين تواجدوا في الرابوني وكانوا يدعمون البوليساريو؟

في الرابوني كان الكوبيون والفيتناميون والفلسطينيون وعسكريون من أوربا الشرقية، يقدمون دروسا لجنود البوليساريو باعتبارهم  خبراء في حرب العصابات. كانت وفود كثيرة تتردد على المخيمات من ليبيا وسوريا وإيران ودول إفريقية تعترف بجبهة البوليساريو. ومن الشخصيات التي زارتنا أذكر الحميدي الخويلدي، الذي ترأس أكثر من مرة الوفد الليبي، وجورج حبش زعيم جبهة التحرير الشعبية الفلسطينية، والجنرال سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان المصري الأسبق، الذي كان لاجئا في الجزائر، وطوماس سانكارا رئيس بوركينا فاصو السابق، وسليم أحمد سليم الرئيس السابق لمنظمة الوحدة الإفريقية إضافة إلى شخصيات أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى