شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

خالد نزار برأ الكومندان حمو من دم بوضياف

يونس جنوحي

مدينة عنابة صنعت الحدث حول العالم يوم 29 يونيو 1992 وليس في الجزائر وحدها. بل إن نسبة مهمة من الصحافة الدولية حول العالم لم تكن من قبل مهتمة بشخص بوضياف، وبالكاد خصصت له قصاصات قصيرة يوم وصوله إلى الجزائر، قبل ستة أشهر فقط على اغتياله، وجدت نفسها مسهبة في خبر الاغتيال وتداعياته.

لحظة سقوط بوضياف على سطح الطاولة التي كان يوجه منها خطابه إلى الجزائريين ودوي الرصاص الذي انطلق من سلاح بومعرافي، كانت تحوم حول الأرض بكل اللغات. بوضياف مات، والجزائريون ينتظرهم الأسوأ.

 

ماذا بعدُ؟

اعترف الجنرال نزار لاحقا، في مذكراته، بأن المخطط اعترته عيوب كثيرة على مستوى التنظيم وعلى مستوى التعامل مع الصحافة الدولية. إذ إن الرواية التي تم إعدادها سلفا لم تصمد أمام أسئلة صحافيين لديهم من الجرأة ما يكفي لتحليل الفيديو. وقالوا ما مفاده أنه حتى لو سلمنا أن الجندي الذي أطلق الرصاص كان مختلا ولديه سجل من سوابق التمرد على رؤسائه، فلماذا لم يتحرك أعضاء الفرقة الخاصة التي تكون مهمتها حماية الرئيس؟ لماذا غادر منفذ العملية القاعة حيا؟ ولماذا لم توجه نحوه رصاصة لردعه أثناء تنفيذه للعملية؟ إذ إن الصحافة الدولية لم تهضم مسألة غياب الحماية الخاصة بالرئيس. لا يوجد رئيس في العالم يتحرك بدون أمن خاص ورجال مدربين ومسلحين حوله في كل تنقلاته مهما كانت تافهة. فكيف إذا تعلق الأمر ببلد غير مستقر مثل الجزائر، بل وفي ظل وجود تهديدات عمليات إرهابية؟

ثم إن مسألة كشف التحقيقات وجود قنبلة مع بومعرافي كلها طرحت أسئلة وفرضيات حول تواطؤ المنفذ مع مسؤولين أمنيين كبار مكنوه من الحصول على القنبلة لحماية نفسه وتنفيذ العملية دون أن يتدخل أحد لإيقافه.

 

دقائق سوداء

يقول هشام عبود إن اجتماعا سريا جرى على أعلى مستوى، ترأسه الجنرال خالد نزار، لكي يعد الجنرالات دفاعهم أمام الصحافة وأمام الجزائريين بعد أن أزاحوا رسميا محمد بوضياف من طريقهم: «الاجتماع استغرق مدة قصيرة. الجنرال نزار طلب من الحاضرين إن كان بإمكانه الاعتماد على تعاونهم معه. كان جوابهم بالإيجاب. ودون أن تكون لديه معرفة بكل تفاصيل عملية الاغتيال، صرح بالآتي:

-الكوموندان حمو بريء. كلنا نعرف هذا الأمر. ليس هناك ما نلومه عليه».

يقول هشام عبود إن الجنرال نزار كان يرمي إلى تبرئة ساحة حمو، لأن النيران سوف تصل إليه لا محالة لو اتُهم حمو، المسؤول الأمني البارز، بالتواطؤ في العملية أمام الجزائريين. أوقف الجنرال نزار خط النار حسب ما بات يعرف يومها بـ«الرواية الرسمية». ولم يكن يهمه ما سوف يلوكه الجزائريون في المقاهي والجلسات الخاصة، ما دام الموقف سوف يكون رسميا وسوف يوزع على كل وسائل الإعلام الدولية. كان المخطط يرمي إلى تسليط الضوء على بومعرافي وحصر الأضواء حوله، دون أن يظهر أي وجود لشخصيات متواطئة معه. وحتى، في مذكراته، نفى الجنرال نزار أن تكون لقائد العمليات أية مسؤولية تُذكر في عملية اغتيال محمد بوضياف. بل أضاف قائلا إنه لو كان مكانه لقام بنفس ما قام به.

يتهم هشام عبود الجنرال نزار بأنه حاول دائما تعويم النقاش حول ملابسات اغتيال بوضياف، والقفز على الأسئلة المحرجة التي كانت بكل تأكيد تُدين نظاما بأكمله.

الصحافة العالمية لم تنطل عليها الخدعة، وطرح الصحافيون والسياسيون والمهتمون حول العالم، أسئلة واضحة عرت الرواية الرسمية التي لم تصمد سوى دقائق منذ إطلاقها. إذ لا يعقل أبدا أن يتعلق الأمر بإطلاق الرصاص على الرئيس في واضحة النهار وهو يخاطب ملايين الجزائريين، وألا تنطلق رصاصة واحدة في اتجاه منفذ الاغتيال.

سُلم بومعرافي إلى الشرطة فور اعتقاله، وبقي في عهدتهم إلى أن تسلمته القوات الخاصة حيث جاء إسماعيل العماري إلى عنابة خصيصا لتسلمه، وهكذا ضمن الجنرالات ألا يتم التحقيق مع بومعرافي مع شخص متعاطف مع بوضياف، في انتظار محاكمته العسكرية التي كانت هي الأخرى مسرحية متكاملة الأركان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى