أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الثقافة) عن أسماء الفائزين بجائزة المغرب للكتاب برسم دورة 2021.
وأوضحت الوزارة أنه تم منح «جائزة الشعر» مناصفة لكل من محمد علي الرباوي عن مجموعته «رياحين الألم»، ورشيد المومني عن ديوانه «من أي شيء».
إعداد :محمود عبد الغني
ونال «جائزة السرد» إسماعيل غزالي عن روايته «قطط مدينة الأرخبيل»، فيما عادت «جائزة العلوم الإنسانية» مناصفة لبوبكر بوهادي عن كتابه «المغرب والحرب الأهلية الإسبانية 1936-1939»، ويحيى اليحياوي عن كتاب «بيئة المعطيات الرقمية».
ومنحت «جائزة العلوم الاجتماعية» مناصفة ليحيى بن الوليد عن كتابه «أين هم المثقفون العرب؟ سياقات وتجليات»، وإدريس مقبول عن كتابه «الإنسان والعمران واللسان، رسالة في تدهور الأنساق في المدينة العربية».
وفاز بـ«جائزة الدراسات الأدبية والفنية واللغوية» نزار التجديتي عن كتابه «الناظم السردي في السيرة وبناتها.. دراسات في ما وراء العيان والخبر».
وآلت «جائزة الترجمة» مناصفة لكل من أحمد بوحسن عن ترجمته لكتاب «مغامرات ابن بطوطة.. الرحالة المسلم في القرن الرابع عشر الميلادي»، ومحمد الجرطي عن ترجمته لكتاب «نهاية الحداثة اليهودية.. تاريخ انعطاف محافظ».
أما «جائزة الدراسات في مجال الثقافة الأمازيغية» فعادت لخالد أنصار عن كتابه Sibilants in Amazigh» » (الأصوات الصفيرية في الأمازيغية)، فيما منحت «جائزة الإبداع الأدبي الأمازيغي» مناصفة لكل من حسن أوبراهيم أموري عن روايته «تيتبيرين تيحرضاض» (الحمامات العاريات)، والطيب أمكرود عن ديوانه «أروكال» (جمر تحت الرماد).
وقد أجرى الملحق الثقافي لجريدة «الأخبار» حوارات مع ثلاثة فائزين، وسيستكمل الحوار مع الفائزين الآخرين في الأعداد القادمة.
يحيى بن الوليد: أين هم المثقفون؟
1ــ قدم للقارئ المغربي ملخص كتابك «أين هم المثقفون؟» الفائز بجائزة المغرب للكتاب، دورة 2021، في صنف العلوم الاجتماعية.
تعنى أبحاث الكتاب بتحليل تصوّرات المثقفين العرب وتتبّع مواقفهم من الحراك العربي الثوري، وحال العرب بعامة، مثلما تعنى بتسريب وجهة نظر صاحب الكتاب فـي الموضوع؛ وذلك كلّه فـي المدار الذي يُعنى بمشكلات الثقافة والمجتمع والتاريخ. وقد درسنا فيه، حسب محاوره، مثقفين من الأحياء والأموات معًا؛ مثلما اعتمدنا فيها مراجع محدَّدة فـي المحاورة والمراجعة والنقد. موازاة مع أسماء أو قامات مثل إدوارد سعيد، وفرانز فانون، ومحمد عابد الجابري، وعلي الوردي… ثمة أسماء أخرى مثل المهدي المنجرة، ورضوى عاشور، وأدونيس، وعبد الله العروي، وفواز طرابلسي، وجورج طرابيشي، وعلي حرب، وأنطونيو غرامشي، وحنة أرندت، وميشال لوبون، وجيل كيبيل، وصبري حافظ، وعزمي بشارة، وفيصل دراج، وجابر عصفور، وجلبير الأشقر، وشيرين أبو النجا، وهاشم صالح، وياسين الحاج صالح… إلخ.
والملاحظ أن الأسماء متعدّدة ومتنوّعة؛ ومجموعة منها (وهي الغالبة فـي الكتاب) تخصّ، بأفكارها، الحراك الثوري العربي… فيما يخصّ ما تبقى من الأسماء المنظور الاقترابي (العام) للكتاب. ولعلّ الأهم أن الأسماء تغطي، من منظور أداء المثقف، مجالات الفكر والأكاديميا والنقد الأدبي والنقد النسائي والنقد الصحفي ومجال النظرية ذات الصلة بـ»ممارسات الثورة».
2 ــ كيف تنظر إلى الدراسات العربية، والغربية، حول دور المثقفين في مجتمعاتهم؟
موضوع المثقف في الغرب متفاوت من بلد إلى آخر، غير أن الطرح الفرنسي هو الأقرب منّا برغم وجود مراجع في السياق الأنجلوسكسوني تتحدث بدورها عن غياب المثقفين. في هذا السياق يمكن أن نحيل على كتاب الباحث السوسيولوجي البريطاني فرانك فوريدي (Frank Furedi) «أين ذهب كل المثقفين؟» (Where Have All the Intellectuals Gone?) (2004) الذي عكس، ولو في إطار منظور سجالي، جانبا من هذا النقاش العالمي. وللمناسبة، فقد ترجم الدكتور نايف الياسين الكتاب إلى العربية، وصدرت الترجمة في مكتبة العبيكان (السعودية) العام 2010. وأهم ما يركز عليه الكتاب «التسطيح المؤسّسي» الذي طال أداء المثقفين سواء في الفضاء الأنكلوسكسوني أو الفرنسي.
لكن كما قلت فالمثقف العضوي والملتزم والنوعي والمتجذر… نوقش أكثر في الفضاء الفرنسي، ولا يمكن أن يناقش ــ كما قيل ــ إلا في الفضاء الفرنسي. السياق الثقافي الأمريكي هو سياق الهجرة والهجرات والمنفى والمنفيين وحتى المنفى السعيد أو «شرف المنفى». وليس غريبا أن يبلور فيه الأكاديمي الأمريكي والمفكر الفلسطيني الأبرز إدوارد سعيد تصوّراته حول المثقف الانشقاقي المنفي. ومن دون شك هذا المثقف يفيدنا، بأفقه النقدي، في صياغة تصور للمثقف في العالم العربي.
3 ــ كم هي المدة الزمنية التي اشتغلت فيها على موضوع الكتاب؟
الكتاب في الأصل جملة من الأبحاث نشرتها في إثر تفجّر الحراك العربي الذي بدأ من تونس في أواخر العام 2010، ثم انتقل إلى أكثر من بلد عربي، بل أسقط ديكتاتوريات عتيدة. من أول وهلة طرح السؤال: أين هم المثقفون العرب؟ فواكبت من جهتي الموضوع عبر مقالات نشرتها أوّل مرة في جريدة «القدس العربي» وفي مجالات عربية مكرسّة. لكن لما جاء دور فرزها وتصنيفها… أخضعتها لتعديلات حتى تظهر في كتاب ينهض على بنية داخلية. وهو ما كان من خلال العنوان المشار إليه أعلاه.
محمد علي الرباوي: رياحين الألم مرتبطة في دلالتها بحضارتنا الإسلامية
- الشاعر محمد علي الرباوي، قدم للقارئ المغربي ديوانك الفائز.
رياحين الألم هو ديواني الكامل، جمعتُ فيه كل أشعاري التي تفرق بعضُها في أكثر من مجموعة شعرية صدرت لي منذ النصف الأول من سنوات السبعين، وأضفت إليها ما لم تضمه هذه المجموعات.
رتبتُ قصائد هذا الديوان ترتيبا زمنيا (1966/ 2009)، وتفضلت وزارةُ الثقافة مشكورة فنشرته سنة 2010 في مجلدين. وحين لاحظتُ نفاد هذه الطبعة، هيأت نسخةً أخرى من أربعة أجزاء. حذفت الكثير من النصوص التي تمثل بداياتي في مسيري الشعري (وندمت على هذا)، وأضفت إلى هذه النسخة الجديدة القصائدَ التي كتبتها بعد 2010. وتَوَلَّتْ مكتبة سلمى الثقافية نشرَه هذه السنة. النصوصُ الجديدة ضَمَّها الجزءُ الرابع، وهو الذي رشحتُه لجائزة المغرب للكتاب صنف الشعر، وكان الترشيح باقتراح الناشر.
سيلاحظ القارئ أن من العادة، بالمغرب خاصة، أن أعمال الشاعر تُنشر تحت اسم الأعمال الكاملة. أنا فضلتُ أن أعطي أعمالي اسما، أراه يلخص عمق تجربتي الشعرية، فكان رياحين الألم، وكنت، وأنا أضع هذا الاسم، مدركا أن القارئ الكريم سيستحضر Les fleurs du mal للشاعر الفرنسي Charles Beaudelaire، خاصة إذا اختار أن يترجم هذا الديوان بأزهار الألم، بدل أزهار الشر؛ لأني مقتنع أن هناك فرقا بين العنوانين. فالشاعر الفرنسي، في ديوانه، يعتبر الحضارة الغربية شرا، لكنه شرٌّ يغرينا بالدخول إلى أحضانه بالأزهار التي يقدمها لنا، فبودلير، من خلال هذا الديون، يرثي الحضارة الغربية. وقبلي استحضر هذا العنوانَ الشاعرُ إلياس أبو شبكة من خلال ديوانه الشهير أفاعي الفردوس.
2 – فزت مناصفة مع الشاعر رشيد المومني، ما رأيك في شعره وتجربته؟
نحن من جيل واحد، نقدم حساسيتين مختلفتين. وجميل أن يتفق أعضاءُ اللجنة على أن تكون الجائزة مناصفة. وهذا رأي أحترمه.
رشيد المومني من رواد قصيدة النثر بالمغرب، إلى جانب بنيحيى عبد اللطيف، ومحمد الشعرة، والطاهر دحاني، وعبد اللطيف الفؤادي، وعزيز الحصيني، وأحمد لمسيح.
لكن يتميز الشاعر رشيد عن شعراء جيله، ممن يمارسون قصيدة النثر، بكونه جاء إلى هذا الشكل الجديد من إبحاره في عالم الشعر الفرنسي المعاصر، فاستفزه هذا الشعر أكثر مما استفزه الشعر المشرقي، وهذا ملموس في نزيفه وفي «مشتعلا أتقدم نحو النهر» إلى آخر إصداراته. والمومني في شعره يأخذ منحى تأمليا وفكريا وفلسفيا، فصوته واضح في كتاباته.
3 – كيف تنظر للشعر المغربي اليوم؟
الشعر المغربي متعدد اللغات، فمنه ما كُتب باللغة العربية الفصحى، ومنه ما كتب باللغة العامية، والأمازيغية، ومنه المكتوب باللغات الأوروبية كالفرنسية مثلا. فالشعر المغربي المكتوب بالعربية عرف تطورا كبيرا منذ الاستقلال إلى اليوم، وأعطى أسماء بارزة قدم أكثرها إضافات ملموسة لديوان الشعر العربي، لكن أغلب ما أُنجز لم يكن مغربيا. إذ ظل أغلب الشعراء المغاربة يعتبرون الشعر المشرقي هو النموذج، فبنوا نماذجهم على المنجز المشرقي، فتجارب الرواد كالسياب متغلغلة في ما أُنجز بالمغرب سنوات الستين أو السبعين خاصة وشعر الأجيال اللاحقة لم يخرج عن ارتباطه بأعلام قصيدة النثر المشرقية، أو بأعلام الشعر الغربي. وفي كل هذا التراكم نجد أن الشعر الذي يمكن اعتباره مغربيا عزيز. ما حدث لهذا الشعر الفصيح حدث للأغنية التي نسميها بالعصرية. هذه الأغنية اتخذت الغناءَ المصري خاصة نموذجا لها. وأنت تذكر احتفاء المغاربة بـ«القمر الأحمر» حين ظهرت، وهي تستحق هذا الاحتفاء. مرد هذا الاحتفاء إلى كونها تذكر بعبد الوهاب أو الموجي أو.. في حين أن القمر الأحمر ليست أغنية مغربية ولهذا انتهى هذا اللون الغنائي إلى الباب المسدود مما جعل موجة الغيوان تملأ الأسماع.
أما الزجل والشعر الأمازيغي فهما الديوان المغربي الحق؛ هو وحده المنجزُ بعيدا عن النموذج المشرقي والغربي. لكن الزجل الحديث والمتمرد على ما أنجزه أجدادنا أغلبُ نصوصه هي عبارة عن قصائد تفعيلية، أو قصائد نثرية، لكن بلغة عامية ولعل هذا ملموس أيضا عند بعض الشعراء الشباب المغاربة الذين يكتبون بالأمازيغية. أما الشعر المغربي المكتوب بالفرنسية فهو في أغلب نماذجه فاقد لهويته المغربية، بخلاف ما يكتبه أكثر الأفارقة مثل Leopold Sedar Senghor، هذا الشاعر، حين تقرأ له، تشعر بحضور زنجيته حضورا أعمق بكثير من حضورها في شعر الفيتوري. وفي قصيدته عن نيويورك تشعر بالجذور الإفريقية تنبع من أبياتها وهي بهذا أعمق من تجربة أدونيس مع المدينة نفسها.
4 – نقد الشعر بالمغرب هل هو موجود؟
مع الأسف الشديد أقول إن الكتابات النقدية بالمغرب لم تساهم في مسيرة الشعر كما حدث بالمشرق. فما كان للسياب، ونازك، والبياتي، وعبد الصبور، وحجازي، أن ينتشر شعرُهم، ويقبل الناس عليه، لو لم يكن شعرا جيدا أولا، ولو لم يكن في طريقه نقاد في حجم عز الدين إسماعيل، ومحمد النويهي، وإحسان عباس. هؤلاء النقاد بمعرفتهم الشعرَ العربي القديم، وبالأدب الإنجليزي، تمكنوا من فهم التجربة الجديدة. فكتبوا عنها بحب، وبعمق، وروجوا لها. هذا الفعل غائب عندنا. النقد الذي كان سائدا سنوات السبعين، كان نقدا أيديولوجيا، أعلى من شأن نصوص ضعيفٌ أغلبها. فلما انفتحت الجامعة على شعرنا بالمغرب اتخذت المناهج التي تعتمد الوصف وسيلة لدراسة هذا الشعر، وهذه المناهج فَرضت على الدارس اختيارَ النصوص التي تستجيب لهذه المناهج؛ ولهذا أُبعدت نصوص كثيرة تستحق أن يُلتفت إليها.
نزار التجديتي.. الناظم السردي في السيرة وبناتها
- قدم للقراء مضمون كتابك الفائز بجائزة المغرب في صنف الدراسات الأدبية.
يتناول كتابي الناظم السردي في السيرة وبناتها − دراسات في ما وراء العيان والخبر (عمان، دار كنوز المعرفة، 2020، 487 صفحة) إشكالية بناء المعرفة الإنسانية عند الإنسان العاقل في الحضارات المعروفة بين العيان والخبر، من خلال دراسة الخطاب الإخباري مثلما يتجلى في جنس السّيرة التاريخية وامتداداته الأدبية في الأدب العربي − قديمه وحديثه − كالتراجم، والمذكرات، والسير الذاتية، والرحلة الواقعية.
- أنت مترجم أيضاً، هل أخذك البحث أكثر؟
في واقع الكتابة والنقد اللذين مارستهما على مدى أكثر من ربع قرن حسبما تشهد بذلك الدراسات والنصوص والمؤلفات التي نشرتُها منذ وقت مبكر باللغتين العربية والفرنسية داخل المغرب وخارجه، لم أفصل قط بين البحث والترجمة. وأعتقد أنني أتقاسم مع أبناء جيلي هذه العادة. مارستُ الترجمة تلقائيّا. وبمتعة من يستكشف الدروب الجديدة، ويتعثر كثيرا في الفهم والتذوق، ويخطئ في الاختيار والتعبير، ويتعلم باستمرار من الآخرين، عبرتُ الجسور الثقافية المتاحة من الإسبانية والفرنسية إلى العربية، لا سيما أثناء الدرس والسؤال في قضايا الفلسفة اليونانية والأوروبية إبّان مرحلة التعليم الثانوي. ومن حسن حظي، أنني فتحت عيني على خزانة أبٍ مخضرم كان مثقفا عصريا يؤمن − كجيله في الخمسينيات من القرن الماضي − بالتحديث والتغيير والرقي عن طريق التعليم والفكر النقدي والانفتاح على الآخر. فضلا عن ظروف مساعدة أخرى، مثل نظامنا التعليمي المزدوج اللغة (عربي – إسباني / عربي − فرنسي) وقتئذ وتشجيع أساتذتنا المغاربة والإسبان والفرنسيين المخلصين ووجود المراكز الثقافية الإسبانية والفرنسية والإنجليزية بتطوان.
- كيف تنظر إلى الأعمال النظرية والإجرائية في المغرب؟
استطاع الباحثون المغاربة استيعاب المنجزات النظرية والإجرائية للسرديّات أحسن من غيرهم في العالم العربي، ولم يُعطّل حِسَّهم النقدي المنظورُ الأدلوجي الضيق للعمل الأدبي أو المسلك التراثي السطحي للقراءة الناقدة، بفضل الحضور النوعي للفلسفة في بلدنا ومناخ الحرية والتعددية الذي ساد في الجامعة المغربية في فترة السبعينيات والثمانينيات. وهو ما مكّن، في نظري، الباحثين المغاربة من تطوير دراساتهم المنهجية للسيرة الذاتية منذ نهاية القرن الماضي.
حوار مع الباحث والمترجم أحمد بوحسن الفائز بجائزة المغرب للكتاب
قال إن النقل الدقيق والأمين للنص الأصلي أساس الأعراف والمعايير العلمية للترجمة
ارتأى الملحق الثقافي لجريدة “الأخبار” إجراء سلسلة حوارات مع الفائزين بجائزة المغرب للكتاب، دورة 2021. وأجرينا حوارا مع الفائز بجائزة الترجمة، الأستاذ الباحث والمترجم أحمد بوحسن. وأكد في الحوار أهمية هذه الجائزة التي ستساعده، معنويا وفكريا بالأساس، على إخراج أعمال أخرى إلى الوجود.
1 – فزت بجائزة المغرب في صنف الترجمة، ماذا يعني لك هذا الفوز؟
قبل الإجابة عن أسئلتك أود أن أشكر اللجنة العلمية لجائزة المغرب للكتاب لسنة 2021، في صنف الترجمة التي رشحت ترجمتي لكتاب “مغامرات ابن بطوطة.. الرحالة المسلم في القرن الرابع عشر الميلادي”، لمؤلفه المؤرخ الأمريكي روس دان، لنيل الجائزة في صنف الترجمة مناصفة مع الأستاذ محمد الجرطي، بترجمته كتاب “نهاية الحداثة اليهودية.. تاريخ انعطاف محافظ”.
هذه الجائزة اعتراف من طرف أعضاء لجنة الترجمة في جائزة المغرب، وهم من المختصين في مجال الترجمة، على ما اعتبروه يستجيب للمعايير العلمية التي احتكموا إليها. ولعلهم وجدوا في ترجمتي ما يستجيب لأهم تلك المعايير التي تراعي، في الغالب، القيمة العلمية للكتاب المترجَم أولاً، ونوع الترجمة ثانياً، من حيث لغتها ووضوح صياغتها، ونقلها الأمين، ما أمكن، لمضامين الكتاب الأصل.
كما أن من شأن هذه الجائزة أن تزكي بعض ما أقوم به من أعمال في مجال الترجمة، وتحفزني أكثر على مواصلة عملي وتطويره باستمرار، على أساس احترام المعايير العلمية التي تتطلبها الترجمة وأعرافها، أولاً وقبل كل شيء، وهي القيام بالنقل الدقيق والأمين، ما أمكن، للنص الأصل، المترجَم منه، إلى النص الهدف، النص العربي المترجَم إليه.
2 – هلا قدمت للقارئ المغربي مضمون الكتاب الفائز عن ابن بطوطة؟
يدور موضوع الكتاب حول تتبع مسار رحلة ابن بطوطة منذ خروجه من طنجة حتى العودة إلى المغرب. وقد عرض الكتاب هذا المسار في أربعة عشر فصلاً، كل فصل يعرض فيه مجالاً جغرافياً معيناً، وكيف تعامل معه الرحالة. ثم خاتمة عامة للكتاب بعنوان «الرحلة»، بالإضافة إلى النصوص المصاحبة لهذا الكتاب. وقد دامت هذه الرحلة تسعاً وعشرين سنة، من 1325م إلى 1354م، قطع خلالها حوالي مئة وعشرين ألف كيلومتر؛ زار خلالها ما يزيد على أربعين بلداً حديثاً. كان غرضه الأول هو القيام بالحج إلى بيت الله الحرام، مكة. فتحولت رحلته الحجية إلى رحلة مغامرات في عوالم وآفاق كثيرة.
لم يهتم المؤلف كثيراً بالغريب والعجيب الذي ورد في الرحلة، ولكنه اهتم أكثر ببناء حياة ابن بطوطة من خلال نص الرحلة، بتتبع سلوكه وتصرفاته وممارساته الاجتماعية والدينية والتصوف، واهتمامه بالقصور والمساجد والمؤسسات الدينية، والزوايا، وعلاقاته بالملوك والأمراء وعلية القوم، وكذا ممارسة ابن بطوطة لمهنة القضاء في الهند بخاصة، وبعض طموحاته السياسية كذلك، وسفره إلى الصين مبعوثاً من سلطان الهند. كما يكشف لنا الكتاب عن بعض مواقفه المحافظة من بعض الديانات غير الإسلامية في بيزنطة، وفي الصين، ومن المرأة أحياناً.
3- ما الصعوبات، إن وجدت، التي لاقيتها أثناء الترجمة؟
يمكن إجمال أهم الصعوبات التي واجهتني في ترجمة هذا الكتاب في ما يلي:
أ- نوع اللغة الأصلية التي كتب بها الكتاب، وهي لغة إنجليزية تجمع بين حقول معرفية مختلفة ومتنوعة في التعابير والمصطلحات والأسماء، ومثل هذه الحقول الدلالية المختلفة أخذت مني وقتاً طويلاً في البحث عن مقابلات لها في اللغة العربية.
ب- لما كان الكتاب الأصل قد ترجَم كثيراً من الاقتباسات من النص العربي للرحلة، فقد تطلب مني البحث عن تلك الاقتباسات في أصلها العربي جهداً كبيراً. فكان لا بد من البحث مطولاً عن تلك الاقتباسات في مظانها العربية الأصلية، ولم يكن ذلك أمراً يسيراً.
ج- ترجمة أسماء الأماكن والمواقع في الخرائط المصاحبة للنص المترجم؛ فكان لا بد من التثبت من الاسم الأنسب المتداول في اللغة العربية. بالإضافة إلى ترجمة أسماء الأعلام التي لا تخلو بدورها من تعدد كتاباتها.
4- بماذا يتميز الكتاب عن غيره من الكتب التي تناولت ابن بطوطة؟
يتميز هذا الكتاب عن الكتب التي تناولت رحلة ابن بطوطة، أنه لم يهتم كثيراً بالغريب والعجيب، وكل ما يثير في رحلة ابن بطوطة، وإنما اهتم أكثر بشخص ابن بطوطة نفسه، كرجل مغربي مسلم مالكي محافظ خرج من بلده المغرب إلى العالم الواسع في سن مبكرة، ورصيده العلمي في الفقه والشريعة الإسلامية ما يزال متواضعاً. وكيف تعامل مع هذا العالم في مستويات مختلفة. كيف كون نفسه وحرص على تكوينه في علوم الفقه والشريعة الإسلامية في مصر والحجاز وسورية حتى أصبح قاضياً لمدة عشر سنوات في الهند، وكيف كانت لديه قابلية الاندماج الاجتماعي مع الأوساط السياسية والاجتماعية والدينية التي عرفها في رحلته. ثم كيف كان مهتماً بجمع ثروته، التي فقد معظمها في مراحل عصيبة من رحلته. كما اهتم المؤلف بعلاقته الاجتماعية مع نسائه وأولاده في طريقه، وكيف كان يحرص على الزواج الشرعي والطلاق الشرعي واهتمامه أحياناً بأبنائه. ولو أن حياته الخاصة لم يتعرض لها ابن بطوطة في حياته، نتيجة تعففه ومحافظته.
5- ما أهمية مثل هذه الكتب بالنسبة للقارئ العربي؟
لعل أهم ما سيخرج به القارئ العربي، وغير العربي، من هذا الكتاب هو تبينه لمدى توسع رقعة العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الميلادي، وأثر العلماء والمؤسسات العلمية والعلاقات التجارية والثقافية في خلق مناطق مترابطة في العالم الإسلامي. وكيف كشف مسار رحلة ابن بطوطة الطويل عن تشكُّل تلك الترابطات في حدود دار الإسلام، حتى أصبح مواطناً كونياً-مسلماً أينما حل وارتحل. ويؤكد هذا الكتاب أيضاً أن رحلة ابن بطوطة وثيقة تاريخية وتجربة إنسانية غنية لرحالة مغربي عالم مسلم.